شرب، ثم قال للضرع: اقلص فرجع كما كان» أي لا وجود له على ظاهر ما في الأصل، أو لا لبن فيه على ما في النهاية كالصحاح، وإلى ذلك أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله:
ورب عناق ما نزا الفحل فوقها ... مسحت عليها باليمين فدرّت
قال ابن مسعود: فلما رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله علمني، فمسح رأسي وقال:«بارك الله فيك فإنك غلام معلم» .
أقول: فإن قيل قول ابن مسعود ولكني مؤتمن، وعدوله صلى الله عليه وسلم عن ذات اللبن إلى غيرها يخالف ما سيأتي في حديث المعراج والهجرة أن العادة كانت جارية بإباحة مثل ذلك اللبن لابن السبيل إذا احتاج إلى ذلك، فكان كل راع مأذونا له في ذلك وإذا كان ذلك أمرا متعارفا مشهورا يبعد خفاؤه.
قلنا: قد يقال لا مخالفة لأن ابن السبيل المسافر، وجاز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه لم يكونا مسافرين، لجواز أن تكون تلك الغنم التي كان فيها ابن مسعود ببعض نواحي مكة القريبة منها، التي لا يعدّ قاصدها مسافرا، ولعله لا ينافي ذلك ما سيأتي أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أبيح له أخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج صلى الله عليه وسلم إليهما، وأنه يجب على مالكهما بذل ذلك له.
وكان عبد الله بن مسعود يعرف بأمه وهي أم عبد، وكان قصيرا جدا طوله نحو ذراع خفيف اللحم، ولما ضحكت الصحابة رضي الله تعالى عنهم من دقة رجليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لرجل عبد الله في الميزان أثقل من أحد» وقال صلى الله عليه وسلم في حقه:
«رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، وسخطت لها ما سخط لها ابن أم عبد» .
وقوله:«لرجل عبد الله في الميزان» يدل للقول بأن الموزون الإنسان نفسه لا عمله، وكان صلى الله عليه وسلم يكرمه ويدنيه ولا يحجبه، فلذلك كان كثير الولوج عليه صلى الله عليه وسلم، وكان يمشي أمامه صلى الله عليه وسلم ومعه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويلبسه نعليه إذا قام، فإذا جلس أدخلهما في ذراعيه، ولذلك كان مشهورا بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولم أقف على أنه أسلم حين أجفلت الشاة، لكن قول العلامة ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين:
أسلم قديما بمكة لما مرّ به صلى الله عليه وسلم وهو يرعى غنما إلى آخره، يدل على أنه أسلم حينئذ. ومما يؤثر عنه: الدنيا كلها هموم، فما كان فيها من سرور فهو ربح، والله أعلم.
وذكر في الأصل أن من السابقين أبا ذر الغفاري، واسمه جندب بن جنادة بضم الجيم فيهما قال: وسبب إسلامه ما حدث به قال: صليت قبل أن ألقى النبي صلى الله عليه وسلم