للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاث سنين لله أتوجه حيث يوجهني ربي، فبلغنا أن رجلا خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي أنيس انطلق إلى هذا الرجل فكلمه وأتني بخبره، فلما جاء أنيس قلت له: ما عندك فقال: والله رأيت رجلا يأمر بخير وينهي عن الشر، وفي رواية: رأيتك على دينه يزعم أن الله أرسله ورأيته يأمر بمكارم الأخلاق، قلت فما يقول الناس فيه؟

قال: يقولون شاعر كاهن ساحر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون، فقلت اكفني حتى أذهب فأنظر، قال نعم وكن على حذر من أهل مكة، فحملت جرابا وعصا ثم أقبلت حتى أتيت مكة، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، فمكثت في المسجد ثلاثين ليلة ويوما، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على بطني سحنة جوع. والسحنة: بالتحريك، قيل حرارة يجدها الإنسان من الجوع، ففي ليلة لم يطف بالبيت أحد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه جاآ فطافا بالبيت، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته أتيته، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فرأيت الاستبشار في وجهه ثم قال من الرجل؟ قلت من غفار بكسر المعجمة قال: متى كنت؟ قال: كنت من ثلاثين ليلة ويوما ههنا، قال: فمن كان يطعمك قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على بطني سحنة جوع قال:

«مبارك، إنها طعام طعم وشفاء سقم» أي وجاء «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته لتشفى شفاك الله، وإن شربته لتشبع أشبعك الله، وإن شربته لتقطع ظمأك قطعه الله، وهي همزة جبريل، وسقيا الله إسمعيل» وجاء «التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق» وجاء «آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم» .

وذكر أن أبا ذر أول من قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليك التي هي تحية الإسلام، فهو أول من حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق ولو كان مرا، ومن ثم قال رسول صلى الله عليه وسلم:

«ما أظلت الخضراء» أي السماء «ولا أقلت الغبراء» أي الأرض «أصدق من أبي ذر» وقال صلى الله عليه وسلم في حقه: «أبو ذر يمشي في الأرض على زهد عيسى ابن مريم» وفي الحديث «أبو ذر أزهد أمتي وأصدقها» وقد هاجر أبو ذر إلى الشام بعد وفاة أبي بكر، واستمر بها إلى أن ولي عثمان، فاستقدمه من الشام لشكوى معاوية منه وأسكنه الربذة، فكان بها حتى مات، فإن أبا ذر صار يغلظ القول لمعاوية ويكلمه بالكلام الخشن.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن لقيا أبي ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بدلالة عليّ رضي الله تعالى عنه، وأنه قال له: ما أقدمك هذه البلدة، فقال له أبو ذر: إن كتمت عليّ أخبرتك» وفي رواية «إن أعطيتني عهدا وميثاقا أن ترشدني

<<  <  ج: ص:  >  >>