للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلادنا، وليخرق فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن بعث لنا قصي بن كلاب، فإنه كان شيخ صدق، فنسأله عما تقول أحق هو أم باطل. قال: زاد في رواية: فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله تعالى، وأنه بعثك إلينا رسولا كما تقول، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما بهذا بعثت لكم، إنما جئتكم من الله بما بعثني به» اهـ.

ثم قالوا له: «واسأل ربك يبعث معك ملكا يصدقك فيما تقول ويراجعنا عنك» أي وفي لفظ «قالوا له لم لا ينزل علينا الملائكة، فتخبرنا بأن الله أرسلك أو نرى ربنا فيخبرنا بأنه أرسلك فنؤمن حينئذ بك. وقال آخر: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا، واسأله أن يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه» أي فلا بد أن تتميز عنا حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا: أي وفي لفظ «قالوا إن محمدا يأكل الطعام كما نحن نأكل، ويمشي في الأسواق، ويلتمس المعاش كما نلتمس نحن، فلا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وأنزل الله تعالى وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: الآية ٧] ولما قالوا الله أعظم أن يكون رسوله بشرا منا أنزل الله تعالى أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [يونس: الآية ٢] ثم قالوا: وأسقط السماء علينا كسفا: أي قطعا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، وقد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لن نؤمن بالرحمن أبدا: أي وقد عنوا بالرحمن مسيلمة، وقيل عنوا كاهنا كان لليهود باليمامة، وقد رد الله تعالى عليهم بأن الرحمن المعلم له هو الله تعالى بقوله قُلْ هُوَ [البقرة: الآية ٢٢٢] أي الرحمن رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ [الرّعد: الآية ٣٠] أي توبتي ورجوعي وعند ذلك قام صلى الله عليه وسلم حزينا آسفا على ما فاته من هدايتهم التي طمع فيها، وقال له عبد الله ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب قبل أن يسلم رضي الله تعالى عنه: يا محمد قد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبل، ثم سألوك أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل، والله لن نؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك: أي كتاب معه أربعة من الملائكة يشهدون أنك كما تقول، وايم الله إنك لو فعلت ذلك، ما ظننت أني أصدقك، فأنزل الله تعالى عليه الآيات التي فيها شرح هذه المقالات في سورة الإسراء، وفيها الإشارة إلى أنه تعالى خيره بين أن يعطيه جميع ما سألوا، وأنهم إن كفروا بعد ذلك استأصلهم بالعذاب كالأمم السابقة، وبين أن يفتح لهم باب الرحمة والتوبة لعلهم يتوبون وإليه راجعون، فاختار الثاني، لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم من كثير منهم العناد، وأنهم لا يؤمنون، وإن حصل ما سألوا فيستأصلوا بالعذاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>