للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد قال ابن إسحاق «فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا به وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله تعالى خبرهم على النبي صلى الله عليه وسلم» وبهذا يعلم ما في سفر السعادة.

ولما وصل صلى الله عليه وسلم في رجوعه إلى نخلة جاءه الجن وعرضوا إسلامهم عليه، وكذا يعلم ما في المواهب من قوله «ولما انصرف صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف ونزل نخلة صرف إليه سبعة من جن نصيبين» إلى أن قال: وفي الصحيح أن الذي آذنه صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة الجن شجرة، وأنهم سألوه الزاد، فقال: كل عظم إلى آخره؛ لأن سؤالهم له صلى الله عليه وسلم الزاد فرع اجتماعهم، وقد ذكر هو أنهم لم يؤذنه صلى الله عليه وسلم بهم إلا شجرة هناك. وعلى جواز أن الشجرة آذنته بهم قبل انصرافهم أي أعلمته بوجودهم، وأن ذلك كان سببا لاجتماعهم به صلى الله عليه وسلم، وأن دعوى ذلك لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يشعر باجتماعهم للقرآن إلا مما نزل عليه من القرآن، فسؤالهم له صلى الله عليه وسلم الزاد كان في قصة أخرى غير هاتين القصتين كانت بمكة سيأتي الكلام عليها.

ثم رأيت عن ابن جرير أنه تبين من الأحاديث أن الجن سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بنخلة وأسلموا، فأرسلهم صلى الله عليه وسلم إلى قومهم منذرين، إذ لا جائز أن يكون ذلك في أول البعث، لمخالفته لما تقدم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وحينئذ يؤيد الاحتمال الثاني الذي ذكرناه من أنه يجوز أنهم اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم بعد أن آذنته بهم الشجرة، وقوله فأرسلهم إلى قومهم منذرين لم أقف في شيء من الروايات على ما هو صريح في ذلك: أي أن إرساله لهم كان من نخلة عند رجوعه من الطائف، ولعل قائله فهم ذلك من قوله تعالى وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف: الآية ٢٩] .

وغاية ما رأيت أن ابن جرير والطبراني رويا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن الجن الذين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم» وهذا ليس صريحا في أنه صلى الله عليه وسلم كان عند رجوعه من الطائف.

لا يقال: يعني ذلك إنكار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالجن المرة الأولى التي كانت عند البعث، لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم كان في بطن نخلة في مرة أخرى ثالثة.

ثم رأيت في النور ما يخالف ما تقدم عن ابن عباس من قوله «إنه لم يجتمع صلى الله عليه وسلم بالجن حين خروجه إلى سوق عكاظ» حيث قال: الذي في الصحيح وغيره أن اجتمع بهم، وهو خارج من مكة إلى سوق عكاظ ومعه أصحابه فليتأمل.

قال: وذكر «أنه صلى الله عليه وسلم أقام بنخلة أياما بعد أن أقام بالطائف عشرة أيام وشهرا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>