يدع أحدا من أشرافهم» أي زيادة على عبد ياليل وأخويه «إلا جاء إليه وكلمه فلم يجبه أحد. فلما أراد الدخول إلى مكة قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم؟
يعني قريشا وهم قد أخرجوك: أي كانوا سببا لخروجك وخرجت تستنصر فلم تنصر، فقال: يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه، فسار صلى الله عليه وسلم إلى حراء، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق أي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ليجيره: أي ليدخل صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فقال: أنا حليف والحليف لا يجير- أي في قاعدة العرب وطريقتهم واصطلاحهم- فبعث صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك أيضا فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب» وفيه أنه لو كان كذلك لما سألهما صلى الله عليه وسلم، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف هذا الاصطلاح بعيد، إلا أن يقال جوّز صلى الله عليه وسلم مخالفة هذه الطريقة «فبعث صلى الله عليه وسلم إلى المطعم بن عديّ- أي وقد مات كافرا قبل بدر بنحو سبعة أشهر- يقول له: إني داخل مكة في جوارك، فأجابه إلى ذلك، وقال له: قل له فليأت، فرجع إليه صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ثم تسلح المطعم بن عديّ وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا فلا يؤذه أحد منكم، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وطاف بالبيت وصلى عنده، ثم انصرف إلى منزله. أي والمطعم بن عدي وولده مطيفون به صلى الله عليه وسلم» قال «وذكر أنه صلى الله عليه وسلم بات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج مطعم وقد لبس سلاحه هو وبنوه، وكانوا ستة أو سبعة، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: طف، واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف مدة طوافه صلى الله عليه وسلم، وأقبل أبو سفيان على المطعم، فقال: أمجير أم تابع؟ فقال: بل مجير، فقال: إذن لا تخفر- أي لا تزال خفارتك. أي جوارك، قد أجرنا من أجرت، فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه» اهـ.
أي ولا بدع في دخوله صلى الله عليه وسلم في أمان كافر، لأن حكمة الحكيم القادر قد تخفى، وهذا السياق يدل على أن قريشا كانوا أزمعوا على عدم دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بسبب ذهابه إلى الطائف ودعائه لأهله. أي ولهذا المعروف الذي فعله المطعم قال صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر «لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» .
ورأيت في أسد الغابة «أن جبيرا ولد المطعم رضي الله تعالى عنه- فإنه أسلم بين الحديبية والفتح، وقيل يوم الفتح- جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فسأله في أسارى بدر، فقال: لو كان الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفعناه فيهم» كما سيأتي، أي لأنه فعل معه صلى الله عليه وسلم هذا الجميل وكان من جملة ما سعى في نقض الصحيفة كما تقدم.
قال: وعن كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه «لما انصرف النفر السبعة من أهل