قال «ويخرج من أصل تلك الشجرة أربعة أنهار: نهران باطنان» أي يبطنان ويغيبان في الجنة بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة «ونهران ظاهران» أي يستمران ظاهرين بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة فيجاوزان الجنة «فقال: ما هذه، أي الأنهار يا جبريل؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات» انتهى.
أقول: قول جبريل أما الباطنان ففي الجنة لا يحسن أن يكون جوابا عن هذا السؤال: أي الذي هو سؤال عن بيان الحقيقة ويحصل بذكر اسمها، فكان المناسب بحسب الظاهر أن يقول وأما الباطنان فنهر كذا ونهر كذا، وهذا السياق يدل على أن النيل والفرات يمران في الجنة ويجاوزانها، وأن ما عداهما كسيحان وجيحان بناء على أنهما ينبعان من أصل شجرة المنتهى يغيبان فيها ولا يجاوزانها، والنيل نهر مصر، والفرات نهر الكوفة. ويحتمل أن النهرين اللذين هما ما عدا النيل والفرات بناء على أنهما سيحان وجيحان، يبطنان في الجنة ولا يظهران إلا بعد خروجهما منها لوجودهما في الخارج، بخلاف النيل والفرات فإنهما يستمران ظاهرين فيها إلى أن يخرجا منها.
وقد جاء في حديث «ما من يوم إلا وينزل ماء من الجنة في الفرات» قال بعضهم: ومصداقه أن الفرات مد في بعض السنين فوجد فيه رمان كل واحدة مثل البعير، فيقال إنه رمان الجنة. وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الأحاديث الواهية.
وفي حديث موقوف على ابن عباس «إذا حان خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله تعالى جبريل، فرفع من الأرض هذه الأنهار والقرآن والعلم، والحجر والمقام، وتابوت موسى بما فيه إلى السماء» .
هذا، وفي بعض الروايات ما يدل على أن سيحان وجيحان لا ينبعان من أصل شجرة المنتهى، فليسا هما المراد بالباطنين.
وعن مقاتل: الباطنان السلسبيل والكوثر، أي ومعنى كونهما باطنين أنهما لم يخرجا من الجنة أصلا. ومعنى كون النيل والفرات ظاهرين أنهما يخرجان منها.
وفي «السيرة الشامية» : لم يثبت في سيحان وجيحان أنهما ينبعان من أصل شجرة المنتهى فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك. وأما الباطان المذكوران: أي في الحديث فهما غير سيحان وجيحان. قال القرطبي: ولعل ترك ذكرهما: أي سيحان وجيحان في حديث الإسراء كونهما ليسا أصلا برأسهما، وإنما يحتمل أن يتفرعا عن النيل والفرات، هذا كلامه، ولعل المراد أنهما يتفرعان عنهما بعد خروجهما من الجنة، فهما لم يخرجا من أصل السدرة ولا يبطنان في الجنة أصلا.