قال «وإذا فيها» في تلك الشجرة «عين» أي في أصلها أيضا «يقال لها السلسبيل، فينشق منها نهران أحدهما الكوثر، والآخر يقال له نهر الرحمة، فاغتسلت منه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر» انتهى: أي فهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى، لكن لا من المحل الذي يخرج من النيل والفرات، وحينئذ يحسن القول بأنه يخرج من أصل تلك الشجرة أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان. وفي جعل الكوثر قسما من السلسبيل يخالفه جعله قسيما كما تقدم عن مقاتل، فالباطنان الكوثر ونهر الرحمة؛ فالأنهار التي تخرج من أصل سدرة المنتهى أربعة بناء على أن سيحان وجيحان لا يخرجان منها أو ستة بناء على أنهما يخرجان منها.
وعلى الأول لا ينافي قول القرطبي: ما في الجنة نهر إلا ويخرج من أصل سدرة المنتهى لأن المراد إما خروجه بنفسه أو أصله الذي يتفرع منه بناء على ما تقدم من أن سيحان وجيحان يتفرعان عن النيل والفرات.
ولا ينافي ما عند مسلم «يخرج من أصلها يعني سدرة المنتهى أربعة أنهار من الجنة، وهي: النيل والفرات وسيحان وجيحان» ولا ما عند الطبراني «سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار: من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين ومن عسل مصفى» وعن كعب الأحبار: إن نهر العسل نهر النيل، أي ويدل لذلك قول بعضهم: لولا دخول بحر النيل في البحر الملح الذي يقال له البحر الأخضر قبل أن يصل إلى بحيرة الزنج ويختلط بملوحته لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته. ونهر اللبن نهر جيحان، ونهر الخمر نهر الفرات، ونهر الماء نهر سيحان، لأن غاية ذلك سكوتهما عن النهرين الآخرين وهما الكوثر ونهر الرحمة. ومعنى كونها تخرج من أصل سدرة المنتهى من الجنة أنه يحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة والأنهار تخرج من أصلها، فصح أنها من الجنة، هكذا ذكره العارف ابن أبي جمرة، ولم أقف على ما يدل على ثبوت هذا الاحتمال: أي أن سدرة المنتهى مغروسة في الجنة، ولا حاجة لهذا الاحتمال في تصحيح هذه الرواية، لأن المعنى أن تلك الأنهار تخرج من أصل تلك الشجرة، ثم تكون خارجة من الجنة؛ ثم لا يخفى أن في كلام القاضي عياض أن سيحان يقال فيه سيحون وجيحان يقال فيه جيحون.
ويخالفه قول صاحب النهاية: اتفقوا كلهم على أن جيحون غير جيحان، وسيحون غير سيحان، ومن ثم أنكر الإمام النووي على القاضي عياض حيث قال:
الثاني أي من وجوه الإنكار على القاضي قوله سيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون، فجعل الأسماء مترادفة، وليس كذلك، فسيحان وجيحان غير سيحون وجيحون هذا كلامه.