للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنو والتدلي الواقعين من الله سبحانه وتعالى، كمعنى النزول منه في «ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير» وهو أي ذلك كعند أهل الحقائق من مقام التنزل؛ بمعنى أنه تعالى يتلطف بعباده ويتنزل في خطابه لهم، فيطلق على نفسه ما يطلقونه على أنفسهم فهو في حقهم حقيقة، وفي حقه تعالى مجاز.

ورأيت بعضهم ذكر أن فاعل دنا جبريل، وفاعل تدلى محمد صلى الله عليه وسلم: أي سجد لربه سبحانه وتعالى شكرا على ما أعطي من الزلفى.

ورأيت بعضا آخر ذكر أن فاعل تدلى الرفرف، وفاعل دنا محمد صلى الله عليه وسلم: أي تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى جلس عليه، ثم دنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى: أي قرب قرب منزلة وتشريف لا قرب مكان، تعالى الله عز وجل عن ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم «وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه عز وجل، فوضع يده عز وجل بين كتفيّ بلا تكييف ولا تحديد» أي يد قدرته تعالى، لأنه سبحانه منزه عن الجارحة «فوجدت بردها، فأورثني علم الأولين والآخرين، وعلمني علوما شتى، فعلم أخذ عليّ كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري. وعلم خيرني فيه. وعلم أمرني بتبليغه إلى العامّ والخاص من أمتي، وهي الإنس والجن» أي وكذلك الملائكة على ما تقدم.

أقول: هذا التفصيل يدل على أن العلوم الشتى هي هذه العلوم الثلاثة، إلا أن يقال كل علم من هذه الثلاثة يشتمل على أنواع من العلوم، والله أعلم.

قال صلى الله عليه وسلم «ثم قلت: اللهم إنه لما لحقني استيحاش سمعت مناديا ينادي بلغة تشبه لغة أبي بكر، فقال لي قف فإن ربك يصلي، فعجبت من هاتين هل سبقني أبو بكر إلى هذا المقام، وإن ربي لغنيّ أن يصلي! فقال تعالى: أنا الغني عن أن أصلي لأحد وإنما أقول سبحاني سبحاني سبقت رحمتي غضبي، اقرأ يا محمد هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) [الأحزاب: الآية ٤٣] فصلاتي رحمة لك ولأمتك، وأما أمر صاحبك يا محمد فإن أخاك موسى كان أنسه بالعصا، فلما أردنا كلامه قلنا وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ [طه: الآية ١٧- ١٨] وشغل بذكر العصا عن عظيم الهيبة، وكذلك أنت يا محمد لما كان أنسك بصاحبك أبي بكر خلقنا ملكا على صورته ينادي بلغته ليزول عنك الاستيحاش لما يلحقك من عظم الهيبة» .

أقول: لعل المراد خلقنا صورة على صورة صوته، لأنه ليس في الرواية أنه رأى ذلك الملك على صورة أبي بكر، وإنما سمع صوته والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>