وفي الروض ما وجدنا من طريق صحيح أنه أسلم بعد ذلك «فدفعا إليها راحلتيهما، وواعداه على جبل ثور بعد ثلاث ليال» وقيل للجبل ذلك لأنه على صورة الثور الذي يحرث عليه، وسياق النسائي يدل على أن استئجار عبد الله المذكور كان قبل التجهيز.
«قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور» أي ليلا كما تقدم.
وعن ابن سعد:«لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكان فيه إلى الليل، ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه» أي وكان خروجهما من خوخة في ظهر بيت أبي بكر. فعن عائشة بنت قدامة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل لعنه الله فأعمى الله بصره عني» وعن أبي بكر «حتى مضينا» .
وفي كلام سبط ابن الجوزي: وعن وهب بن منبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج إلى الغار من بيت أبي بكر، فخرج من خوخة في ظهر الدار. والأصح إنما كان خروجه من بيت نفسه.
«وجعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه يمشي مرة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك لا آمن عليك» .
أقول: في الدر المنثور «فمشى صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه لئلا يظهر أثر رجليه على الأرض حتى حفيت رجلاه، فلما رآهما أبو بكر قد حفيتا حمله على كاهله وجعل يشتدّ به حتى أتى على فم الغار فأنزله» وفي لفظ «لم يصب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار حتى قطرت قدماه دما» وفي كلام السهيلي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال: «نظرت إلى قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وقد تقطرتا دما» .
قال بعضهم: ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل، وإلا فبعد المكان لا يحتمل ذلك أو لعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة، ويدل عليه قوله:
فمشى ليلته رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ فانتهينا «إلى الغار مع الصبح» ولا يحتمل ذلك مشى ليلته إلا بتقدير ذلك، أو أنه صلى الله عليه وسلم كما قيل ذهب إلى جبل حنين فناداه اهبط عني، فإني أخاف أن تقتل على ظهري فأعذب، فناداه جبل ثور: إليّ يا رسول الله» وساق في الأصل رواية تقتضي أنه ذهب إلى غار ثور راكبا ناقته الجدعاء. ثم رأيته في النور أشار إلى أن ركوبه صلى الله عليه وسلم الجدعاء إنما كان بعد خروجه من الغار، لا أنه