للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ولما انتهيا إلى فم الغار قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك، فدخل رضي الله تعالى عنه فجعل يلتمس بيده كلما رأى حجرا قال بثوبه فشقه، ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بجميع ثوبه، فبقي جحر، وكان فيه حية فوضع عقبه عليه، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الحية التي في الجحر لما أحست بعقب سيدنا أبي بكر جعلت تلسعه وصارت دموعه تتحدر» قال ابن كثير: وفي هذا السياق غرابة ونكارة «أي وقد كان صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ونام، فسقطت دموع أبي بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما لك يا أبا بكر؟ قال: لدغت» بالدال المهملة والغين المعجمة «فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على محل اللدغة فذهب ما يجده» قال بعضهم: وقاه بعقبه فبورك في عقبه.

قالت بعضهم: والسر في اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصص على رؤوسهم تعظيما للحية التي لدغت أبا بكر في الغار، أي لأنهم يزعمون أن ذلك على صورة تلك الحية.

«ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لأبي بكر: أين ثوبك؟ فأخبره الخبر» زاد في رواية «وأنه رأى على أبي بكر أثر الورم فسأل عنه، فقال: من لدغة الحية، فقال صلى الله عليه وسلم:

هلا أخبرتني؟ قال: كرهت أن أوقظك فمسحه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب ما به من الورم والألم» .

أي ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما «وحين أخبره أبو بكر بذلك رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة، فأوحى الله تعالى إليه: قد استجاب الله لك» .

وروي أنه لما صار يسد كل جحر وجده أصاب يده ما أدماها، فصار يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول:

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت

وسيأتي أن هذا البيت من كلام ابن رواحة. وقيل من كلامه صلى الله عليه وسلم، وأنه يجوز أن يكون ابن رواحة ضم ذلك البيت لأبياته.

ومما قد يؤيد أن ذلك من كلامه صلى الله عليه وسلم ما ذكره سبط ابن الجوزي «أن أبا بكر لما لحقه صلى الله عليه وسلم في أثناء الطريق ظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار فأسرع في المشي، فانقطع قبال نعله، ففلق إبهامه حجر فسال الدم، فرفع أبو بكر صوته ليعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه» .

ومما يصرح بذلك ما رأيت عن جندب البجلي قال «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار

<<  <  ج: ص:  >  >>