وفيه أن الذي تقدم عن الخصائص أن المراد بهذا الأذان الذي أتى به الملك الإقامة لا حقيقة الأذان، أي ويدل لذلك أن الملك قال فيه «قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقال الله: صدق عبدي، أنا أقمت فريضتها، ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم، فأمّ أهل السماء فيهم آدم ونوح» .
قال بعضهم: والأذان ثبت بحديث عبد الله بن زيد بإجماع الأمة لا يعرف بينهم خلاف في ذلك، إلا ما روي عن محمد ابن الحنفية. وعن أبي العلاء قال: قلت لمحمد ابن الحنفية: إنا لنتحدث أن بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال: ففزع لذلك محمد ابن الحنفية فزعا شديدا، وقال: عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنه إنما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب، وقد تكون أضغاث أحلام؛ قال: فقلت له: هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال: هذا والله هو الباطل، ثم قال:«وإنما أخبرني أبي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أذن في بيت المقدس ليلة الإسراء، وأقام، ثم أعاد جبريل الأذان لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فسمعه عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب.
وفي رواية عنه أنه لما انتهى إلى مكان من السماء وقف به وبعث الله ملكا، فقيل له علمه الأذان، فقال الملك: الله أكبر، فقال الله: صدق عبدي، أنا الله أكبر، إلى أن قال: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. وفيه ما علمت أن هذه الإقامة لا الأذان، وقد ردّ عليه بأنه لو ثبت بقول جبريل لما احتاج صلى الله عليه وسلم إلى المشورة، والمعراج كان بمكة قبل الهجرة.
والأولى أن يتمسك ابن الحنفية بما يأتي عن بعض الروايات، من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله «قد سبقك بذلك الوحي» وكونه أتى بالبراق إلى الحجاب هو بناء على أن العروج كان على البراق وتقدم ما فيه. ويحتمل أن يكون هذا عروجا آخر غير ذلك، وحينئذ لا يخالف هذا ما تقدم أنه لما أسري به أذن جبريل وتقدم ما فيه، ولا ما جاء عن عليّ رضي الله تعالى عنه «مؤذن أهل السماء جبريل» لجواز حمل ذلك على الغالب، وحينئذ لا يخالف أيضا ما جاء «إسرافيل مؤذن أهل السماء، وامامهم ميكائيل عند البيت المعمور» وفي لفظ «يؤم بالملائكة في البيت المعمور» ولعلّ كون ميكائيل إمام أهل السماء لا يخالف ما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها «إمام أهل السماء جبريل» لما علم، وجاء «إن مؤذن أهل السماء يؤذن لاثنتي عشرة ساعة من النهار، ولاثنتي عشرة ساعة من الليل» .
أقول: وفي النور لو رآه أي الأذان ليلة الإسراء لم يحتج إلا إلى ما يجمع به المسلمين إلى الصلاة. ويردّ بأنه لم يكن يعلم قبل هذه الرؤيا أن ما رآه في السماء