للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون سنة للصلوات الخمس التي فرضت عليه تلك الليلة، فبتلك الرؤيا علم أن ذلك سنة في الأرض كما تقدم.

وعبارة بعضهم: ولا يشكل على أذان جبريل ببيت المقدس أن الأذان إنما كان بعد الهجرة، لأنه لا مانع من وقوعه ليلة الإسراء قبل مشروعيته للصلوات الخمس، وهذا كله على تسليم أن المرئي له الأذان حقيقة لا الإقامة، وقد علمت ما فيه.

ثم رأيت بعضهم قال: وأما قول القرطبي. لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله: لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان، أي لأن المتبادر تعليمه الأذان الذي يأتي به في الأرض للصلوات.

وقد يقال: على تسليم ذلك قد علمت أن المراد بالأذان الذي سمعه ليلة الإسراء الإقامة وقد قال الحافظ ابن حجر: الحق أنه لم يصح شيء من هذه الأحاديث الواردة بأنه سمعه ليلة الإسراء، ومن ثم قال ابن كثير في بعض الأحاديث الواردة بأنه سمع هذا الأذان في السماء ليلة المعراج: هذا الحديث ليس كما زعم البيهقي أنه صحيح، بل هو منكر، تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود الذي تنسب إليه الفرقة الجارودية، وهو من المتهمين، وبهذا يعلم ما في الخصائص الصغرى:

خص صلى الله عليه وسلم بذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى، والله أعلم.

أي وروي بسند واه: إن أول من أذن بالصلاة جبريل عليه الصلاة والسلام في سماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال رضي الله تعالى عنهما، فسبق عمر بلالا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم جاء بلال، فقال له: سبقك بها عمر، وهذا لا دلالة فيه، لأنه يجوز أن يكون ذلك بعد رؤيا عبد الله.

وذكر أن عمر رضي الله تعالى عنه رآه من عشرين يوما وكتمه، ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك، قال له: ما منعك أن تخبرني؟ قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحيت منه.

أقول: في هذا الكلام ما لا يخفى فليتأمل، إنما قال له «إنها رؤيا حق» لأنه يجوز أن يكون جاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك قبل أن يجيء إليه عبد الله بن زيد به، ومن ثم قال له حين أخبره بذلك على ما في بعض الروايات «قد سبقك بذلك الوحي» فالأذان إنما ثبت بالوحي لا بمجرد رؤيا عبد الله.

قال بعضهم في قوله وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً [المائدة: الآية ٥٨] الآية، كان اليهود إذا نودي إلى الصلاة وقام المسلمون إليها يقولون: قاموا لا قاموا صلوا لا صلوا، على طريق الاستهزاء والسخرية.

وفيها دليل على مشروعية الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده هذا كلامه.

ورده أبو حيان بأن هذه جملة شرطية دلت على سبق المشروعية لا على إنشائها أي

<<  <  ج: ص:  >  >>