وفي الإمتاع عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت له «أفلا استخرجته؟
قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله؛ وكرهت أن أثير على الناس شرا» ومراد عائشة بقولها أفلا استخرجته السحر: أي هلا استخرجت السحر من الجف والمشاطة حتى تنظر إليه، فقال أكره أن أثير على الناس شرا.
قال ابن بطال: أي كره أن يخرجه فيتعلم منه بعض الناس، فذلك هو الشر الذي كرهه صلى الله عليه وسلم: وذكر السهيلي أنه يجوز أنه يكون الشر غير هذا، وهو أنه لو أظهر للناس لربما قتله طائفة من المسلمين، ويغضب آخرون من عشيرته فيثور شر.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها «أنها قالت له صلى الله عليه وسلم: هلا تنشرت» ؟ أي استعملت النشرة قال بعضهم: وفيه دليل على عدم كراهة استعمال النشرة حيث لم ينكر عليها قولها. وكرهها جمع واستندوا لحديث في أبي داود مرفوعا «النشرة من عمل الشيطان» وحمل ذلك على النشرة التي تصحبها العزائم المشتملة على الأسماء التي لا تفهم «فأمر بها فطمت» أي تلك البئر، وحفروا بئرا أخرى، فأعانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرها حيث طموا الأخرى التي سحر فيها، هذا كلامه، فليتأمل مع ما قبله.
وقيل إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد، ودخلت إحداهنّ على عائشة فسمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره ثم خرجت إلى أخواتها فأخبرتهن بذلك، فقالت إحداهن: إن يكن نبيا فسيخبر، وإن يكن غير ذلك فسوف يذهله هذا السحر حتى يذهب عقله، فدله الله تعالى عليه.
وقد يجمع بين كون الساحر له صلى الله عليه وسلم لبيدا وكون الساحر له أخوات لبيد بأن الساحر له أخوات لبيد، ونسب السحر إلى لبيد لأنه جاء أنه الذي ذهب به فأدخله تحت راعونة البئر: أي أو في القبر كما تقدم. ولا منافاة، لجواز أن يكون وضعه في القبر مدة ثم أخرجه منه ووضعه تحت تلك الراعونة أي وهي حجر يوضع على رأس البئر يقوم عليه المستقي، وقد يكون في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظف البئر، أي والثاني هو المراد بدليل ما سبق.
وفي النهر لأبي حيان: ونص القرآن والحديث أن السحر تخييل: أي لا يقلب الأعيان ولا شك في وجوده في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما في زماننا الآن فكل ما وقفنا عليه من كتبه فهو كذب وافتراء لا يترتب عليه شيء، فلا يصبح منه شيء ألبتة.
وطعنت المعتزلة وطوائف من أهل البدع في كونه صلى الله عليه وسلم سحر وقالوا: لا يجوز على الأنبياء أن يسحروا، ولو جاز أن يسحروا لجاز أن يجنوا وقد عصموا من الناس.