للمشركين بمكة وجوابا لأهل الكتاب بالمدينة، وقال قبل ذلك إنها إنما نزلت بالمدينة.
وفي دعوى تكرر نزولها يقال: حيث سئل أولا ونزلت جوابا كيف يتوقف ثانيا عند السؤال الثاني حتى يحتاج إلى نزولها مع بعد نسيان ذلك له صلى الله عليه وسلم.
ثم رأيت عن البرهان: قد ينزل الشيء مرتين، تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه، وهو كما ترى لا يدفع التوقف. وكان من أعلم أحبار يهود عبد الله بن سلام بالتخفيف: وكان قبل أن يسلم اسمه الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وكان من ولد يوسف الصديق: أي وقد أثنى الله تعالى عليه في قوله تعالى وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:
الآية ١٠] وكان من يهود بني قينقاع كما تقدم. جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه، أي في أول يوم دخل فيه رسول الله دار أبي أيوب أي ولعل الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، هو قوله «يا أيها الناس أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» .
فعنه رضي الله تعالى عنه، قال «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل إليه الناس» أي بالجيم: أسرعوا «فكنت ممن أتى إليه» أي وهذا يدل على أنه جاءه في قباء وسيأتي «قال: فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أنه وجه غير كذاب» أي لأن صورته وهيئته وسمته صلى الله عليه وسلم تدل العقلاء على صدقه، وأنه لا يقول الكذب، قال عبد الله «فسمعته صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس إلى آخره» .
أي ولا مانع أن يكون ذلك تكرر منه صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك قال: أشهد أنك رسول الله حقا، وأنك جئت بحق ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، وكتمت إسلامي من اليهود، ثم جئته صلى الله عليه وسلم، أي في بيت أبي أيوب وقلت له لقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فأخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت، فإنهم قوم بهت» أي بضم الباء والهاء «يواجهون الإنسان بالباطل، وأعظم قوم عضيهة» أي كذبا، «وإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ، وخذ عليهم ميثاقا أني إن أتبعتك وآمنت بكتابك أن يؤمنوا بك وبكتابك الذي أنزل عليك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق، أسلموا، قالوا ما نعلم، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا وهم يجيبونه كذلك، قال فأي رجل فيكم ابن سلّام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا» وفي رواية «خيرنا وابن خيرنا» بالخاء المعجمة والياء المثناة تحت أفعل تفضيل، وقيل بالمهملة والياء