الموحدة، أي أعلمنا بكتاب الله «سيدنا وعالمنا وأفضلنا، قال: أفرأيتم إن شهد أني رسول الله وآمن بالكتاب الذي أنزل عليّ تؤمنوا بي؟ قالوا نعم، فدعاه، فقال: يا ابن سلام اخرج عليهم، فخرج عليهم فقال: يا عبد الله بن سلام، أما تعلم أني رسول الله تجدني عندكم مكتوبا في التوراة والإنجيل، أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي وأن تتبعوني من أدركني منكم؟ قال ابن سلام: بلى يا معشر يهود، ويلكم اتقوا الله، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا، وأنه جاء بالحق» ، قال زاد في رواية «تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة اسمه وصفته، قالوا: كذبت، أنت أشرنا، وابن أشرنا» وهذه لغة رديئة، والفصحى شرنا وابن شرنا بغير همزة وهي رواية البخاري «قال ابن سلام رضي الله تعالى عنه: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور؟» انتهى «فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهرت إسلامي، وأنزل الله تعالى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [فصّلت:
الآية ٥٢] يعني الكتاب أو الرسول وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ [الأحقاف: الآية ١٠] يعني عبد الله بن سلام عَلى مِثْلِهِ [الأحقاف: الآية ١٠] يعني اليهود فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)[الأحقاف: ١٠] » .
أقول: هذا السياق لا يناسب ما حكاه في الخصائص الكبرى عن تاريخ الشام لابن عساكر: أن ابن سلام اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، أنت ابن سلام عالم أهل يثرب؟ قال نعم، قال: ناشدتك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد صفتي في كتاب الله يعني التوراة؟ قال: أنسب ربك يا محمد، فأرتج النبي صلى الله عليه وسلم» أي توقف «ولم يدر ما يقول، فقال له جبريل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)[الإخلاص: ١- ٤] ، فقال ابن سلام: أشهد أنك رسول الله، وأن الله مظهرك ومظهر دينك على الأديان، وإني لأجد صفتك في كتاب الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥)[الأحزاب: الآية ٤٥] أنت عبدي ورسولي» إلى آخر ما تقدم عن التوراة، فإنه يدل على أن ابن سلام أسلم بمكة وكتم إسلامه، ولو كان كذلك لما قال «فلما رأيت وجهه الشريف عرفت أنه غير وجه كذاب» ولما قال «وكنت عرفت صفته واسمه» ولما سأله عن الأمور الآتية، ولما احتاج إلى الإسلام ثانيا، إلا أن يقال على تسليم صحة ما قاله ابن عساكر جاز أن يكون قال ذلك، وفعل ما ذكر إقامة للحجة على اليهود.
وقد وقع لابن سلام هذا أنه لقي عليا بالربذة وقد خرج بعد قتل عثمان وبعد أن بويع بالخلافة متوجها إلى البصرة لما بلغه أن عائشة وطلحة والزبير ومن معهم خرجوا إلى البصرة في طلب دم عثمان، وكان ذلك سببا لوقعة الجمل، فأخذ بعنان فرس عليّ، وقال: يا أمير المؤمنين لا تخرج منها يعني المدينة، فوالله لئن خرجت