قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم، أي كما تقدم، لأن الأنصار من آل قحطان. ولم يتوج من العرب إلا قحطان، ولم يبق من الخرز إلا خرزة واحدة كانت عند شمعون اليهودي، فلما جاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم انصرف عنه قومه إلى الإسلام فضغن: أي أضمر العداوة، لأنه رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلبه ملكا عظيما، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على النفاق، أي وكان له إماء يكرههن على الزنا ليأخذ أجورهن، فأنزل الله تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ [النّور: الآية ٣٣] الآية.
وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا [البقرة:
الآية ١٤] أي عبد الله بن أبيّ وأصحابه خرجوا ذات يوم، فاستقبلهم قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم. فقال عبد الله بن أبيّ:
انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد أبي بكر، فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ بيد عمر، فقال: مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ بيد عليّ فقال: مرحبا يا بن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم افترقوا فقال له عليّ: اتق الله يا عبد الله ولا تنافق، فإن المنافقين شرّ خليفة الله تعالى، فقال له عبد الله: مهلا يا أبا الحسن، إليّ تقول هذا؟ والله إن إيماننا كإيمانكم وتصديقنا كتصديقكم. فقال لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا فنزلت.
وقد قال صلى الله عليه وسلم «مثل المنافق مثل الشاة العابرة بين الغنمين» أي المترددة بينهما تعبر إلى هذه مرة وإلى هذه مرة.
وفي السنة الأولى من الهجرة أعرس صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله تعالى عنها كذا في الأصل. وفي المواهب أن ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا، وقيل بعد سبعة أشهر، وقيل بعد ثمانية أشهر من مقدمه صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها «تزوجني رسول الله وبنى بي في شوال فأيّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحظى عنده مني» أي فما توهمه بعض الناس من التشاؤم بذلك، لكونه بين العيدين، فتحصل المفارقة بين الزوجين لا عبرة به ولا التفات إليه.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا واجتمع إليه رجال ونساء من الأنصار، فجاءتني أمي وإني لفي أرجوحة بين عذقين» أي نخلتين «فأنزلتني من الأرجوحة ولي جميمة» أي شعر «لأني وعكت» أي مرضت «لما قدمنا المدينة» أي أصابتها الحمى.