للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد وجهت نحو الكعبة فتحول إمامنا نحو الكعبة وقوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ [البقرة: الآية ١٤٤] أي متطلعا نحو الوحي ومتشوقا للأمر باستقبال الكعبة فَلَنُوَلِّيَنَّكَ [البقرة: الآية ١٤٤] أي نحو لنك قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة: الآية ١٤٤] أي تحبها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: الآية ١٤٤] أي نحوه، والمراد بالمسجد الحرام الكعبة وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ [البقرة:

الآية ١٤٤] أي الرجوع إلى الكعبة مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: الآية ٥] أي لما في كتبهم من نعته صلى الله عليه وسلم بأنه يتحول إلى الكعبة.

أقول: ولعل هذه القصة التي رواها عمارة هي التي رويت عن رافع بن خديج، قال «أتانا آت ونحن نصلي في بني عبد الأشهل، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يتوجه إلى الكعبة فدار أمامنا إلى الكعبة ودرنا معه» والله أعلم.

«واجتمع قوم من كبار اليهود جاؤوا إليه صلى الله عليه وسلم وقالوا له: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه أي وما كنت عليه قبلة إبراهيم» وهذا بناء على دعواهم أن بيت المقدس كان قبلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما سيأتي عنهم، وسيأتي ما فيه ثم قالوا ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك «وإنما يريدون بذلك فتنة ليعلم الناس أنه صلى الله عليه وسلم في حيرة من أمره» أي واختبار لما يجدونه في نعته صلى الله عليه وسلم من أنه يرجع عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة وأنه لا يرجع عن تلك القبلة، وفي رواية أنهم قالوا للمسلمين: ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب وقبلة الأنبياء» أي ويوافقه قول الزهري «لم يبعث الله منذ هبط آدم عليه الصلاة والسلام إلى الأرض نبيا إلا جعل قبلته صخرة بيت المقدس» ويوافق هذا ظاهر قول الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته:

وصليت نحو القبلتين تفردا ... وكل نبيّ ما له غير قبلة

قال شارحها: يشير إلى أن كل نبي كانت قبلته بيت المقدس، وهو صلى الله عليه وسلم قد شاركهم فيها، أي واختص بالكعبة.

ومن ثم جاء في التوراة في وصفه صلى الله عليه وسلم «صاحب القبلتين» وفيه أن قبلة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما هي الكعبة. فعن أبي العالية كانت الكعبة قبلة الأنبياء، وكان موسى يصلي إلى صخرة بيت المقدس، وهي بينه وبين الكعبة، ومثل هذا لا يقال إلا عن توقيف، أي ويقال بمثل هذا فيما تقدم عن اليهود وعن الزهري، على تسليم صحته من أن صخرة بيت المقدس كانت قبلة لجميع الأنبياء أنهم كانوا يصلون إليها ويجعلونها بينهم وبين الكعبة، فلا مخالفة.

لا يقال: هذا ليس أولى من العكس، أي أن استقبال الأنبياء للكعبة إنما كانوا يجعلونها بينهم وبين صخرة بيت المقدس. لأنا نقول: قد ذكر في الأصل في تفسير

<<  <  ج: ص:  >  >>