وذكر فقهاؤنا تلك الحكمة حيث قالوا: وحكمة اعتماده على العصا أو القوس أو السيف الإشارة إلى أن هذا الدين قام بالسلاح، وقول صاحب الهدى: وكان قبل أن يتخذ المنبر يعتمد على قوس أو عصا، يقتضي أن بعد اتخاذ المنبر لم يعتمد على شيء من ذلك، أي وصرح به صاحب القاموس في «سفر السعادة» حيث قال: لم يكن يأخذ السيف والحربة بيده، بل كان يعتمد على القوس أو العصا، وذا قبل اتخاذ المنبر؛ وأما بعد اتخاذ المنبر فلم يحفظ أنه اعتمد على العصا، ولا على القوس، ولا على غير ذلك هذا كلامه؛ فيكون الاعتماد على ذلك فوق المنبر بدعة، وهو خلاف ما عليه أئمتنا من أنه يسن أن يشغل يمناه بحرف المنبر ويسراه بما يعتمد عليه من نحو العصا، لكن قالوا: كعادة من يريد الضرب بالسيف والرمي بالقوس، وهو لا يأتي في العصا ولا يأتي في السيف إذا كان في غمده.
ووجود المرقى الذي يقرأ الآية والخبر المشهور بدعة، لأنه حدث بعد الصدر الأول ولم أقف على أول زمان فعل فيه ذلك، لكن ذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمر من يستنصت له الناس عند إرادة خطبته، وعليه إن كان استنصتهم بالحديث فذكر المرقى للخبر ليس من البدعة. إلا أن يقال هو بالنسبة لخطبة الجمعة بدعة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الحديث على المنبر، فالسنة أن يذكره الخطيب كذلك.
ففي «سفر السعادة» : وكان صلى الله عليه وسلم في أثناء الخطبة يأمر الناس بالإنصات ويقول «إن الرجل إذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له» وكان صلى الله عليه وسلم يقول «من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول أنصت ليس له جمعة» .
وقول الحافظ الدمياطي: كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع قائما، وأنه قال: إن القيام شق عليّ، يقتضي أن حنين الجذع كان عند قيامه على ذلك المنبر من الخشب، وأنه لم يتخذ قبل ذلك المنبر من الطين الذي قدمناه، وفيه نظر. وكذا في قوله: وقال له تميم الداري إلى آخره، لأن تميما الداري إنما أسلم في السنة التاسعة، وهذا المنبر الذي من الخشب إنما فعل في السابعة أو الثامنة، وعلى هذا اقتصر الأصل حيث قال في الحوادث.
وفيها: أي السنة الثامنة اتخاذ المنبر والخطبة عليه، وحنين الجذع، وهو أول منبر عمل في الإسلام، وهو في ذلك موافق لما قدمه هو: أي الأصل من اتخاذ المنبر له من الطين قبل ذلك، وأنه كان عنده حنين الجذع.
وعلى كون المنبر عمل في الثامنة، لا يشكل كون العباس رضي الله تعالى عنه