أمر غلامه بعمله، لأن العباس رضي الله عنه قدم المدينة في السنة الثامنة، لكن في بعض الروايات «أنه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا فقال: أتصنع لي المنبر؟ قال نعم، قال: ما اسمك؟ قال فلان، قال لست بصاحبه، ثم دعا آخر فقال له مثل ذلك، ثم دعا الثالث فقال له: ما اسمك؟ قال إبراهيم، قال خذ في صنعته فصنعه» وفي رواية «عمله رجل رومي اسمه باقوم، غلام سعيد بن العاص» أي ولعله هو الذي تقدم ذكره عند بناء قريش للكعبة.
وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة فقال لها: مري غلامك يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها، فعمل له صلى الله عليه وسلم درجات من طرفاء الغابة» ويجوز أن يكون غلام العباس رضي الله تعالى عنه انتقل إلى ملك تلك المرأة، وأنه كان غلاما لسعيد بن العاص، وأنه اشترك في عمله مع إبراهيم المتقدم ذكره فنسب لكل منهما.
فعلم من كلام الأصل في غير الحوادث، أنه كان صلى الله عليه وسلم يخطب أولا على الجذع، ثم على المنبر من الطين، وأن حنين الجذع كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر من الطين، وهو مخالف لكلامه في الحوادث، أن حنين الجذع كان عند اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر من الخشب، وأنه أول منبر عمل في الإسلام. إلا أن يقال أول منبر عمل في الإسلام من خشب، ويكون ذكر حنين الجذع عند القيام عليه من تصرف بعض الرواة، لأن حنين الجذع لم يتكرر حتى يقال جاز أن يكون كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على المنبر من الطين، ثم عند قيامه على المنبر من الخشب.
ثم رأيته في النور رجع كلام الأصل في غير الحوادث إلى كلام الأصل في الحوادث من أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له منبر من طين حيث قال: قوله أي الأصل فبنوا له منبرا، وهذا الكلام فيه تجوّز، يعني اتخذوا له منبرا، وذلك لأن المنبر كان من طرفاء الغابة وهو شجر معروف هذا كلامه، وليته عكس، لأن هذا منه يقتضي حينئذ أن يكون صلى الله عليه وسلم استمر من حين خطب في المسجد إلى السنة الثامنة يخطب إلى الجذع، لأن المنبر من الخشب اتخذ في السنة الثامنة كما تقدم عن الأصل.
ويشكل عليه قول عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة الإفك: فثار الحيان، الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر» لأن قصة الإفك كانت في سنة خمس.
ثم رأيت في كتاب الشريعة للآجري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه «كان صلى الله عليه وسلم يخطب مسندا ظهره إلى خشبة، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرا فبنوا له عتبتين» أي غير المستراح «فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة» الحديث.