وعن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه «لما كثر الناس وصار يجيء القوم ولا يكادون يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة، قال الناس: يا رسول الله، قد كثر الناس وكثير منهم لا يكاد يسمع كلامك، فلو أنك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا من الأرض ويسمع الناس كلامك،؛ فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى غلام نجار لامرأة من الأنصار فاتخذ له مرقاتين من طرفاء الغابة، فلما قام حنت الخشبة التي كان يخطب إليها» هذا كلامه، وهو موافق لما تقدم عن الأصل في الحوادث.
والذي ينبغي الجمع بين الروايتين لأن ما علم من أن اتخاذ المنبر من طرفاء الغابة كان بعد اتخاذه من الطين، لأنه أقوى من الارتفاع من منبر الطين، وكون حنين الجذع عند اتخاذ المنبر من الطرفاء من تصرف بعض الرواة، لأن حنينه إنما كان عند اتخاذ المنبر من الطين، ولم يتكرر حنينه كما تقدم.
ولما ولي معاوية الخلافة كسا ذلك المنبر قبطية، ثم كتب إلى عامله بالمدينة وهو مروان بن الحكم أن يرفع ذلك المنبر عن الأرض، فدعا بالنجارين وفعل ست درج، ورفع ذلك المنبر عليها فصارت تسع درجات. وهذا يدل على أن قوله فاتخذ له مرقاتين أي غير المستراح، ومن ثم تقدم «فعمل له درجات» .
وقيل أمره بحمله إلى الشام، فلما أرادوا قلعه أظلمت المدينة وكسفت الشمس حتى بدت النجوم، وثارت ريح شديدة، فخرج مروان إلى الناس فخطبهم، وقال: يا أهل المدينة إنكم تزعمون أن أمير المؤمنين بعث إليّ أن أبعث إليه بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين أعلم بالله من أن يغير منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما أمرني أن أكرمه وأرفعه ففعل ما تقدم.
وقيل: إن معاوية لما حج أراد أن ينقل المنبر إلى الشام، فحصل ما تقدم من كسوف الشمس الخ، فاعتذر معاوية للناس وقال: أردت أن أنظر إلى ما تحته وخشيت عليه من الأرضة، وكساه يومئذ قبطية.
ولا مانع من تعدد الواقعة، وأن واقعة معاوية سابقة على واقعة مروان، لقوله:
لأنظر ما تحته، وإلا فمروان رفعه عن الأرض.
ثم إن هذا المنبر أحرق بسبب الحريق الواقع في المسجد أول مرة، فأرسل صاحب اليمن منبرا فوضع موضعه مكث عشر سنين.
وفي الإمتاع: ثم تهافت المنبر النبوي على طول الزمان، فعمل بعض خلفاء بني العباس منبرا واتخذ من أعواد المنبر النبوي أمشاطا يتبرك بها، فاحترق هذا المنبر المجدد في حريق المسجد، فبعث المظفر ملك اليمن منبرا هذا كلامه. ثم أرسل الملك الظاهر بيبرس من مصر منبرا، فرفع منبر صاحب اليمن ووضع منبر الملك