الظاهر، فمكث مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة، فبدأ فيه أكل الأرضة، فأرسل الظاهر برقوق منبرا، فرفع منبر الملك الظاهر بيبرس ووضع منبر الملك الظاهر برقوق، ومكث ثلاثا أو أربعا وعشرين سنة.
ثم إن السلطان المؤيد شيخ لما بنى مدرسته بالقاهرة التي يقال لها المؤيدية عمل أهل الشام له منبرا وأرسلوا به إليه ليجعله في مدرسته، فوجد أهل مصر قد صنعوا لها منبرا فسير المؤيد منبر أهل الشام إلى المدينة فمكث سبعا وستين سنة. ثم أحرق في الحريق الواقع في المسجد ثاني مرة، ثم جعل موضعه منبر مبني بالآجر مطلي بالنورة، فمكث إحدى وعشرين سنة ثم جعل موضعه المنبر الرخام الموجود الآن.
قيل: وأعجب منبر في الدنيا منبر جامع قرطبة قاعدة بلاد الأندلس بالمغرب.
ذكر أن خشبه من ساج وأبنوس وعود قاقلى، أحكم عمله ونقشه في سبع سنين، وكان يعمل فيه سبع صناع، لكل صانع في كل يوم نصف مثقال ذهب، فكان جملة ما صرف على أجرته عشرة آلاف مثقال وخمسين مثقالا، وبالجامع المذكور مصحف فيه أربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بخط يده، وفيه نقط من دمه. وفي هذا المسجد ثلاثة أعمدة حمر، مكتوب على أحدها اسم محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى الثاني صفة عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام، وأهل الكهف.
وعلى الثالث صورة غراب نوح، الجميع خلقة ربانية ولا بدع.
فقد ذكر بعضهم رأيت بحمام القاهرة رخامة عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم مفسرا يقرؤه كل أحد خلقة.
وعن سهل قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس على المنبر أي من الخشب كبّر، فكبر الناس خلفه، ثم ركع وهو على المنبر، ثم رجع فنزل القهقرى، ثم سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى إذا فرغ من الصلاة يصنع فيها كما يصنع في الركعة الأولى. فلما فرغ أقبل على الناس وقال: أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» وقوله لتأتموا بي: أي تقتدوا بي في مثل هذا الفعل من الإحرام والركوع على المحل المرتفع ثم النزول عنه والسجود تحته ثم الصعود إليه، وهكذا إلى أن تتم الصلاة، وهذا عند أئمتنا مخصوص جوازه بما إذا لم يلزم عليه استدبار القبلة أو توالي حركات ثلاث، وقوله:«ولتعلموا صلاتي» هو واضح، لو كان ذلك أول صلاة. إلا أن يقال المراد ولتعلموا جواز صلاتي هذه.
وفي كلام فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل من المنبر، ويسجد للتلاوة أسفل المنبر، وآخر الأمرين ترك ذلك. فعلم أن منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات بالمستراح. وحينئذ يشكل إن صح، ما روي أن أبا بكر نزل درجة عن موقفه صلى الله عليه وسلم، وعمر نزل درجة