وقد قيل: في اسم الوالدة والقابلة الأمن والشفاء، وفي اسم الحاضنة البركة والنماء، وفي اسم مرضعته أولا التي هي ثويبة الثواب، وفي اسم مرضعته المستقلة برضاعه التي هي خليمة السعدية الحلم والسعد. قالت أم عبد الرحمن: فاستهل، فسمعت قائلا يقول: يرحمك الله تعالى، أو رحمك ربك: أي أو يرحمك ربك، ولهذا القول الذي لا يقال إلا عند العطاس: أي الذي هو التشميت بالشين المعجمة والمهملة، حمل بعضهم الاستهلال الذي هو في المشهور صياح المولود أول ما يولد: يقال استهل المولود: إذا رفع صوته على العطاس مع الاعتراف بأنه لم يجىء في شيء من الأحاديث تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لما ولد عطس انتهى: أي فقد قال الحافظ السيوطي: لم أقف في شيء من الأحاديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد عطس بعد مراجعة أحاديث المولد من مظانها: أي وعطس بفتح الطاء يعطس بالكسر والضم وحكي بالفتح، ولعله من تداخل اللغتين، لكن في الجامع الصغير «استهلال الصبي العطاس» وحينئذ يكون استهلال المولود له معنيان: هما مجرد رفع الصوت والعطاس، وحمل هنا على العطاس بقرينة الجواب الذي لا يقال إلا عند العطاس، وقد أشار إلى التشميت صاحب الهمزية رحمه الله بقوله:
شمتته الأملاك إذ وضعته ... وشفتنا بقولها الشفاء
أي قالت له الأملاك: رحمك الله، أو رحمك ربك وقت وضع أمه له، وفرحتنا بقولها المذكور الشفاء التي هي أم عبد الرحمن بن عوف.
أقول: قال بعضهم: ولعله صلى الله عليه وسلم حمد الله بعد عطاسه لما استقر من شرعه الشريف أنه لا يسن التشميت: إلا لمن حمد الله تعالى، هذا كلامه. ويدل لما ترجاه ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم حين خروجه من بطن أمه قال «الحمد لله كثيرا» .
وفي كلام بعض شراح الهمزية: ويجوز أن يكون شمت من غير حمد، تعظيما لقدره صلى الله عليه وسلم. وقد جاء «العاطس إن حمد الله تعالى فشمتوه، وإن لم يحمد فلا تشمتوه» وجاء «إذا عطس فحمد الله تعالى فحق على كل من سمعه أن يشمته» وفي الصحيح «أن رجلا عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم وحمد الله فشمته. وعطس آخر فلم يحمد الله فلم يشمته» وفي حديث حسن «إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإذا زاد على ثلاث فهو مزكوم فلا يشمت بعد ثلاث» وتمسك بذلك: أي بالأمر بالتشميت بصيغة افعل التي الأصل فيها الوجوب، وبقوله حتى أهل الظاهر على وجوب التشميت على كل من سمع.
وذهب بعض الأئمة إلى وجوبه على الكفاية، وهو منقول عن مشهور مذهب مالك رضي الله تعالى عنه: أي وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس على إبليس أشد من تشميت العاطس.