للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج، وتعاهدوا على أن لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا: أي يأخذوا ثأرهم منكم، وغضبوا لقومهم غضبا شديدا، وندموا على ما فعلوا فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط، قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل، فقال: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، فانصرفوا سراعا اهـ.

أي وعند انصرافهم أرسل أبو سفيان مع نفر يريدون المدينة أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم أجمعوا على الرجعة، فلما بلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: صلى الله عليه وسلم: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأنزل الله تعالى الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران: الآية ١٧٢] الآية، وقال صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة، ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب» أي وأرسل معبد الخزاعي رجلا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانصراف أبي سفيان ومن معه خائفين، فانصرف إلى المدينة، وظفر صلى الله عليه وسلم في حمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الذي منّ عليه وقد أسر ببدر من غير فداء لأجل بناته؛ وأخذ عليه عهدا أن لا يقاتله ولا يكثر عليه جمعا ولا يظاهر عليه أحدا كما تقدم، فنقض العهد، وخرج مع قريش لأحد، وصار يستنفر الناس ويحرضهم على قتاله صلى الله عليه وسلم بأشعاره كما تقدم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فأسر. ثم قيل: إن المشركين لما نزلوا بحمراء الأسد تركوه نائما، فاستمرّ حتى ارتفع النهار، وكان الذي أخذه عاصم بن ثابت، وما أسر أحد من المشركين غيره في تلك الوقعة، وقيل أسره عمير بن عبد الله.

وفي النور: لا أستحضر أحدا في الصحابة اسمه غمير بن عبد الله، فلما جيء به إليه صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد أقلني وامنن علي؛ ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا أن لا أعود لمثل ما فعلت، فقال صلى الله عليه وسلم: لا والله لا تمسح عارضيك بمكة. وفي لفظ: تمسح لحيتك تجلس بالحجز، تقول خدعت محمدا. وفي لفظ: سحرت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زيد. وفي لفظ: يا عاصم بن ثابت. وفي لفظ: يا زبير، وقال صلى الله عليه وسلم «لا يلدغ» بالدال المهملة والغين المعجمة. وفي لفظ «لا يلسع المؤمن من حجر مرتين» فضرب عنقه.

وذكر أن رأسه حمل إلى المدينة مشهورا على رمح. قال بعضهم: وهو أول رأس حمل في الإسلام، أي ولا ينافيه ما قيل إن أول رأس حمل في الإسلام رأس كعب بن الأشرف كما سيأتي في السرايا، لإمكان أن يراد أن رأس أبي عزة أوّل رأس حمل إلى المدينة على رمح. ولعل هذا لا ينافي ما حكاه بعضهم أن عمرو بن الجموح كان رابع الأربعة الذين دخلوا على سيدنا عثمان الدار، وكان مع علي كرم الله وجهه في مشاهده. فلما ولي معاوية رضي الله عنه فر هاربا إلى العراق فنهشته حية فدخل غارا ومات، فأخبر بذلك زياد والي العراق، فأرسل من حز رأسه وأرسل

<<  <  ج: ص:  >  >>