ويمكن حمل كون العطاس من الشيطان على شدته ورفع الصوت به كما تقدم التقييد بذلك في الرواية السابقة، ومن ثم جاء «إذا عطس أحدكم» أي هم بالعطاس «فليضع كفيه على وجهه، وليخفض صوته» أي ولا ينافي وجود الشفاء ووجود أم عثمان بن العاص عند أمه صلى الله عليه وسلم عند ولادته ما روي عنها أنها قالت «لما أخذني ما يأخذ النساء» أي عند الولادة «وإني لوحيدة في المنزل رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بي» وفي كلام ابن المحدّث «ودخل عليّ نساء طوال كأنهن من بنات عبد المطلب ما رأيت أضوأ منهن وجوها، وكأنّ واحدة من النساء تقدمت إليّ فاستندت إليها، وأخذني المخاض، واشتد عليّ الطلق، وكأنّ واحدة منهن تقدمت إليّ وناولتني شربة من الماء أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من الشهد، فقالت لي: اشربي فشربت، ثم قالت الثالثة: ازدادي فازددت، ثم مسحت بيدها على بطني وقالت: بسم الله اخرج بإذن الله تعالى، فقلن لي: أي تلك النسوة: ونحن آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وهؤلاء من الحور العين» لجواز وجود الشفاء وأم عثمان عندها بعد ذلك، وتأخر خروجه صلى الله عليه وسلم عن القول المذكور حتى نزل على يد الشفاء، لما تقدم من قولها «وقع على يديّ» ولعل حكمة شهود آسية ومريم لولادته كونهما تصيران زوجتين له صلى الله عليه وسلم في الجنة مع كلثم أخت موسى.
ففي الجامع الصغير:«إن الله تعالى زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وامرأة فرعون وأخت موسى» وسيأتي عند موت خديجة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: «أشعرت أن الله تعالى قد أعلمني أنه سيزوجني» وفي رواية «أما علمت أن الله تعالى قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى. وآسية امرأة فرعون؟ فقالت: الله أعلمك بهذا؟ قال نعم. قالت بالرفاء والبنين» وقد حمى الله هؤلاء النسوة عن أن يطأهن أحد.
فقد ذكر أن آسية لما ذكرت لفرعون أحب أن يتزوجها فتزوجها على كره منها ومن أبيها مع بذله لها الأموال الجليلة، فلما زفت له وهم بها أخذه الله عنها وكان ذلك حاله معها، وكان قد رضي منها بالنظر إليها.
وأما مريم فقيل إنها تزوجت بابن عمها يوسف النجار ولم يقربها، وإنما تزوجها ليرفقها إلى مصر لما أرادت الذهاب إلى مصر بولدها عيسى عليه السلام، وأقاموا بها اثنتي عشرة سنة، ثم عادت مريم وولدها إلى الشام ونزلا الناصرة.
وأخت موسى عليه الصلاة والسلام لم يذكر أنها تزوجت، وهذا يفيد أن بنات عبد مناف أو بنات عبد المطلب على ما تقدم كنّ متميزات عن غيرهن من النساء في إفراط الطول.