للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس سيرا حثيثا أي صار يضرب راحلته بالسوط في مراقها: أي مارق من جلد أسفل بطنها، وسار يومهم ذلك وليلتهم، وصدر ذلك اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما، وإنما فعل صلى الله عليه وسلم ذلك ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ابن سلول.

قال وذهب بعض الأنصار الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ورده على الغلام إلى ابن أبي لعنه الله. فقال له: يا أبا الحباب إن كنت قلت ما نقل عنك فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فليستغفر لك، ولا تجحده فينزل فيك ما يكذبك وإن كنت لم تقله فائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له واحلف له ما قلته، فحلف بالله العظيم ما قاله من ذلك شيئا، ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أبيّ إن كانت سبقت منك مقالة فتب، فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد، وما تكلمت به انتهى.

أي وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ابن أبي فأتاه، فقال له: أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك؟ فقال: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا لكاذب، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل.

أي، وفي لفظ أنهم قالوا: يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا يصدق عليه كلام غلام.

ثم إن عبد الله رضي الله عنه ولد عبد الله بن أبي ابن سلول، أي وكان اسمه الحباب، فسماه صلى الله عليه وسلم يوم موت أبيه عبد الله لما بلغه مقالة عمر رضي الله عنه من قتل أبيه، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي يعني والده فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني أن أحمل لك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.

قال وفي رواية، فمرني، فو الله لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، وإني لأخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، فعفوك أفضل، ومنتك أعظم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت قتله، ولا أمرت به ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا، فقال عبد الله: يا رسول الله إن أبي كانت أهل هذه البحيرة أي المدينة، اتفقوا على أن يتوّجوه عليهم، فجاء الله عز وجل بك فوضعه ورفعنا بك، أي زاد في رواية: ومعه قوم أي من المنافقين يطيفون به ويذكرونه أمورا قد غلب الله عليها، وتقدم أنه وقع لعبد الله رضي الله عنه مثل ذلك مع أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>