في قبر ابنه إبراهيم فأصلحه وقال: إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه» وأعطاه سعد بن عبادة رضي الله عنه بستانا كان يتحصل منه مال كثير.
وحاصل ما في الإمتاع فيما وقع بين حسان وصفوان: أن حسان رضي الله عنه لما قال:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كبروا ... وابن القريعة أمسى بيضة البلد
قال صفوان: ما أراه إلا عناني أي بالجلابيب، وتقدم أن ابن أبيّ ابن سلول قد قالها في حق المهاجرين، والقريعة بالقاف: جدة حسان رضي الله عنه، وقيل أمه.
وقريعة الشيء: خياره، وقريعة القبيلة لسيدها، واستعمل بيضة البلد في الذم بقرينة المقام، وإلا فكما تستعمل في الذم تستعمل في المدح. ويقال: فلان بيضة البلد:
أي واحد في قومه عظيم فيهم. فعند ذلك خرج صفوان مصلتا السيف وجاء إلى حسان وهو في نادي قومه الخزرج وضربه، فلقي بيده فوقع السيف فيها، فقام قومه وأوثقوا صفوان رباطا، ثم إنه حلّ وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال حسان رضي الله عنه: يا رسول الله شهر عليّ السيف في نادي قومي ثم ضربني ولا أراني إلا ميتا من جراحتي، فقال صلى الله عليه وسلم لصفوان: ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ وتغيظ لحسان، فقال صفوان ما تقدم. ثم قال لقوم حسان: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به، فحبسوه، فبلغ ذلك سيد الخزرج سعد بن عبادة، فأقبل على قومه ولامهم على حبسه، فقالوا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبسه وقال لنا: إن مات صاحبكم فاقتلوه. فقال سعد: والله إن أحبّ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عنه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالحق، والله لا أبرح حتى يطلق، فاستحى القوم وأطلقوه، وأخذه سعد وانطلق به إلى منزله وكساه حلة، وجاء به إلى المسجد، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كساه؟ قالوا سعد بن عبادة. قال: كساه الله من ثياب الجنة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم حسان رضي الله عنه في العفو عن صفوان. فقال: يا رسول الله كل حق لي قبل صفوان فهو لك. فقال صلى الله عليه وسلم: قد أحسنت وقبلت ذلك. ثم أعطاه صلى الله عليه وسلم أرضا له وسيرين جاريته أخت مارية أم ولده إبراهيم وأعطاه أيضا سعد بن عبادة رضي الله عنه حائطا كان يتحصل منه مال كبير بما عفا عن حقه.
وقيل إنما أعطاه سيرين لذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره. فقد قال ابن عبد البر رحمه الله: إعطاه رسول الله سيرين أخت مارية لحسان بن ثابت يروى من وجوه، وأكثرها أن ذلك ليس بسبب ضرب صفوان له بل لذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل وكان لسان حسان يصل لجبهته وإلى نحره. وكذلك كان أبوه وجده، وكان حسان رضي الله عنه يقول على لسانه: والله لو وضعته على صخر لفلقه أو شعر لحلقه. وقد عمي مسطح أيضا.