بالإفك كان أكثر أوقاته في البيت، فدخل عليه عمر رضي الله عنه، فاستشاره صلى الله عليه وسلم في تلك الواقعة، فقال: يا رسول الله أنا أقطع بكذب المنافقين، وأخذت براءة عائشة رضي الله عنها من الذباب، لأن الذباب لا يقرب بدنك؛ فإذا كان الله تعالى صان بدنك أن يخالطه الذباب لمخالطته للقاذورات فكيف أهلك؟.
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه فاستشاره، فقال له عثمان: يا رسول الله أخذت براءة عائشة رضي الله عنها من ظلك، إني رأيت الله تعالى صان ظلك أن يقع على الأرض: أي لأن شخصه الشريف كان لا يظهر في شمس ولا قمر، لئلا يوطأ بالأقدام. فإذا صان الله ظلك فكيف بأهلك. أي وقد أشار إلى ذلك الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله:
لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى ... على الأرض ملقى فانطوى لمزية
وهنا لطيفة لا بأس بها: وهي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مسافرا وكان يسايره يهودي، فلما أراد المفارقة قال عبد الله رضي الله عنه لليهودي: بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين، فهلا قدرت على شيء من ذلك معي وأقسم عليه، فقال: إن أمنتني أخبرتك، فأمنه، فقال: لم أقدر عليك في شيء أكثر من أني كنت إذا رأيت ظلك وطئته بقدمي وفاء بأمر ديننا.
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم علي كرم الله وجهه فاستشاره، فقال له علي كرم الله وجهه:
أخذت براءة عائشة من شيء هو أنا صلينا خلفك وأنت تصلي بنعليك، ثم إنك خلعت إحدى نعليك فقلنا ليكون ذلك سنة لنا، قلت لا، إن جبريل عليه السلام أخبرني أن في تلك النعل نجاسة، فإذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف تكون بأهلك؟ فسرّ صلى الله عليه وسلم بذلك، أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع إحدى نعليه في أثناء الصلاة لنجاسة بها واستمر في الصلاة.
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال لزوجته أم أيوب: ألا ترين ما يقال: أي من الإفك؟ فقالت له: لو كنت بدل صفوان أكنت تهمّ بسوء لمحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال لا. قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة خير مني وصفوان خير منك.
وفي السيرة الشامية أن أبا أيوب رضي الله عنه قالت له زوجته أم أيوب: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال بلى، وذلك الكذب، أكنت يا أم أيوب فاعلة؟
قالت: لا، والله ما كنت لأفعله. قال: فعائشة والله خير منك.
وجاء أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل على عائشة رضي الله عنها في مرض موتها فوجدها وجلة من القدوم على الله، فقال لها: لا تخافي، فإنك لا تقدمين إلا