قال المفضّل: «زعموا أن السّليك خرج ومعه عمرو وعاصم ابنا سري بن الحارث بن امرئ القيس ابن زيد مناة بن تميم، أراد أن يغير في أناس من أصحابه. فمرّ على بني شيبان في ربيع، والناس مخصبون في عشيّة فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي أهل هذا البيت فلعلّي أصيب لكم خيرا أو آتيكم بطعام، فقالوا: فافعل، فانطلق وقد أمسى وجنّ عليه اللّيل. فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني.. وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن أراح ابن له إبله، فلّما أن أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلّا كنت عشيّتها ساعة من الليل؟ فقال ابنه: إنّها أبت العشاء، فقال: العاشية تهيج الآبية.. ثمّ غضب الشيخ فنفض ثوبه في وجوهها فرجعت إلى مرتعها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وجلس الشيخ عندها للعشاء فغطى وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السّليك، فلّما وجد الشيخ مغترّا ختله من ورائه ثمّ ضربه فأطار رأسه وصاح بالإبل فأطردها فلم يشعر أصحابه- وقد ساء ظنّهم به وتخوّفوا عليه- حتى إذا هم بالسليك يطردها، فطردوها معه فقال السّليك: وعاشية رجّ بطان ذعرتها ... بصوت قتيل وسطها يتسيّف فبات لها أهل خلاء فناؤهم ... ومرّت بهم طير فلم يتعيّفوا وباتوا يظنّون الظّنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا أهلّوا وأوجفوا وما نلتها حتّى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنيّة أعرف وحتّى رأيت الجوع بالصّيف ضرّني ... إذا قمت يغشاني ظلال فأسدف» العاشية: الإبل، الرّج: الواسعة الأخفاف، يتسيّف: يضرب بالسيف، لم يتعيّفوا: لم يزجروا الطير فيعلموا ما تنبئ به، أهلّوا: رفعوا أصواتهم، أوجفوا: استحثوا إبلهم، أسدف: يظلم بصري من شدة الجوع. [٣٦١]- مجمع الأمثال ٢/٣٣٨، المستقصى ١/٣٥٣، اللسان (جلب، قطر، نفض) . قال الزمخشري: «.. يقطّر: أي يجعلها قطارا قطارا لأنّهم إذا أجدبوا جلبوها للبيع في الامتيار.. يضرب في شدّة الحال» . والنفاض: فناء الزّاد، والجلب: المجلوب للبيع.