ابن يحيى لا يضمر لمحمد بن زيد من الموجدة ما كان يضمر، وأخذت تهب من ناحية النهر نفحة عطرية ذكرتني بقول الأعشى ميمون:"مثل ريح المسك ذاك ريحها" وعلى ذكر الأعشى ذكرت مصرعه وشقاءه، وقلت في نفس لولا أن قريشًا صدته عن الإسلام لكان اليوم بيننا في مجلسنا هذا، فسمعت هاتفا من ورائي أنا بينكم وفي مجلسكم، فالتفت فإذا الأعشى ميمون فلم أدر أي مدخليه١ أعجب، أمن مدخله إلى الجنة أم من مدخله إلى نفسي، وعلمه بما هجس في صدري، فعلمت أن أهل الجنة ملهمون، ثم سألته كيف غفر لك، فقال سحبتني الزبانية إلى سقر، فرأيت في عرصات القيامة رجلا يتلألأ وجهه تلألؤ القمر، والناس يهتفون به من كل جانب الشفاعة يا محمد، فأخذت إخذهم، وهتفت هتافهم فأمر أن أدنو منه فدنوت، فسألني ما حرمتك فقلت أنا القائل:
ألا أيهذا السائلي أين يممت ... فإن لها في أهل يثرب موعدا
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من وجًى حتى تلاقى محمدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقى من فواضله ندا
نبي يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا