للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خبايا الزوايا]

جلس قاضي التحقيق أمس على كرسيه في غرفته ووقف عن يمينه رجل من ذوي الأسنان١ قذر الثوب دميم المنظر تسنح شعراته البيض في أكناف رأسه ولحيته سنوح الشرر الأبيض، في الدخان الأسود، وتتمشى في أديم وجهه صفرة مغبرة من رآها علم أنها نسيج ذلك الدخان دخان الحشيشة الذي ينفثه من فيه في صباحه ومسائه، وغدوه ورواحه، ووقف عن يساره صبية ستة نحّل الأبدان جوّع الأكباد لم يترك لهم الدهر آكل البؤساء وشاربهم إلا هياكل من عظام تضطرب في رءوسها عيون لا تستقر في محاجرها إلا إذا استقر الزئبق في قرار مكين.

نظر إليهم قاضي التحقيق نظرات تمازجها الرحمة، وتخالطها الشفقة، والقضاة لا يرحمون ولا يشفقون لولا أن من المناظر مناظر تنال من القلوب القاسية، وتستهوي الأفئدة المتحجرة،


١ جمع سن, وهو العمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>