الآن أمنت على مصر أبد الدهر، وأيقنت أن الباطل ظل زائل لا ثبات له، وأن الحق صخرة عاتية لا تزعزعها العواصف ولا تعبث بها عاديات الأيام.
فقد مرت في غضون الأشهر الفائتة ساعات أعترف أني خفت فيها على الحق أن يغتاله الباطل ويصرعه عندما أشرفتُ على ذاك الميدان الواسع الفسيح -ميدان المعركة السياسية المصرية- ورأيت ذلك الجيش اللجب العرمرم جيش الباطل زاحفا بخيله ورجله, وفي مقدمته القوة الإنجليزية بمدافعها وطياراتها وصواعقها ورجومها, وفي مؤخرته القوة المصرية ببنادقها وسيوفها وسياطها وعصيها, وفي جناحيه الوزارة يحيط بها أنصارها وصنائعها وذوو الحاجة إليها والمنشقون يحيط بهم خدمهم وفلاحوهم, وأجراؤهم وأهلوهم, وذوو أرحامهم, وفيما بين هذا وذلك الكتاب الكاذبون والخطباء الخادعون والدعاة الخبثاء والجواسيس الدهاة والأحكام العرفية والمجالس العسكرية والقوانين الاستثنائية والأكاذيب