لا أعلم أين تذهب نفس الإنسان بعد موته، ولا أين مكانها الذي تستقر فيه بعد فراق جسدها، ولا ما هي الصلة التي تبقي بين المرء وبين الحياة الدنيا بعد رحيله عنها، فإن كان صحيحا ما يقولون من أن ساكن القبور يستطيع أن يجد بين صخورها وصفائحها منفذا يشرف منه على هذه الدار فيسره ما ترك وراءه فيها من ذكر جميل وثناء عاطر وسيرة صالحة ومجد باقٍ فإن نصيب جرجي زيدان اليوم من الهناء والغبطة بما ترك في حياته الأولى من جليل الآثار, وصالح الأعمال أوفر الأنصبة وأجزلها.
ما أنعم الله على عبده نعمة أسنى قيمة ولا أغلى جوهرا ولا أحسن أثرا من نعمة الاعتقاد بالجزاء الصالح على العمل الطيب، فهو يعتقد أنه مجزى على عمله مكافأ به, مؤمنا كان أو ملحدا, معترفا بنعيم الآخرة أو منكرا له، فإن كان الأول ساقه إلى العمل الصالح شغفه بجنة الخلد وحورها وولدانها، ولؤلئها ومرجانها، وروحها وريحانها، وإن كان الثاني ساقه إليه شغفه بالذكر الجميل والسيرة