لم تغتمض عيناي ليلة أمس؛ لأنني بت أسمع في الدار اللاصقة لبيتي أنين امرأة متوجعة تعالج هما ثقيلا وتشكو مرضا أليما, وكان يخيل إلي أني لا أسمع بجانبها معللا يعللها, ولا جليسا يتوجع لها فلما أصبح الصباح ذهبت إليها فإذا قاعة صغيرة مظلمة تكاد لا تشتمل على أكثر من سرير بالٍ يتراءى فوقه شبح ماثل من أشباح الموتى, فترفقت في مشيتي حتى دنوت منها وكأنها شعرت بمكاني, فحركت شفتيها تطلب جرعة ماء فأسعفتها بها, فاستفاقت قليلا ثم تقدمت نحوها أسائلها عن خطبها فأنشأت تقص علي قصتها بصوت خافت متقطع, كنت أكاد أنتزعه منها انتزاعا وتقول:
زوجني أبي منذ سبع سنين من رجل مزواج مطلاق لا يكاد يصبر على امرأة واحدة عاما واحدا, ولو كان لفتاة أن تستبد بأمرها من دون أوليائها لأحسنت الاختيار لنفسي, بل لو لم يكن في الأمر إلا أن أتبتل أو أصير إلى هذا المصير لكان لي في الرهبانية رأي غير ما يراه فيها النساء، ولكنني عجزت فأذعنت