ساهرت الكوكب ليلة أمس حتى ملني ومللته, وضاق كل منا بصاحبه ذرعا وقد وقف الهم بيني وبين الكرى أجذبه فيدفعه، وأدنيه فيبعده، حتى أسلس قياده، وسكن جماحه.
لم تخالط جفني سنة الكرى حتى خيل إلي أني قد انتقلت من العالم الأول إلى العالم الثاني ورأيت كأني بعثت بعد الموت وكأن أبناء آدم مجتمعون في صعيد واحد يحاسبون على أعمالهم, فألهمت أنه موقف الحشر وأنه يوم الحساب.
أنشأت أمشي مشية الحائر الذاهل لا أعرف لي مذهبا ولا مضطربا ولا أجد من يأخذ بيدي ويدلني على نفسي في هذا الموقف الذي ينشد فيه كل ذي نفس نفسه فلا يجد إليها سبيلا، فطفقت أتصفح وجوه الواقفين، وأقلب النظر في الغادين والرائحين، علني أجد صديقا أستأنس به في وحدتي، وأستعين بمرافقته على وحشتي، فلا أرى إلا خلقا غريبا، ومنظرا عجيبا، ووجوها ما رأيت لها في حياتي شبيها ولا ضريبا، ولولا أني أعلم