كان لي صديق أحبه لفضله وأدبه، أكثر مما أحبه لصلاحه ودينه، فكان يروقني منظره ويؤنسني محضره، ولا أبالي بعد ذلك بشيء من نسكه وعبادته، أو فسقه واستهتاره؛ لأني ما فكرت قط أن أتلقى عنه علوم الشريعة أو دروس الأخلاق فقد علمت من ذلك ما حسبي به وكفى.
قضيت في صحبته عهدا طويلا ما أنكر من أمره ولا ينكر من أمري شيئا حتى سافرت من القاهرة سفرا طويلا فتراسلنا حينا, ثم انقطعت عني كتبه فرابني من أمره ما رابني, ثم عدت فجعلت أكبر همي أن أراه فطلبته في جميع المواطن التي كنت أعرفه فيها فلم أجده، فذهبت إلى منزله فحدثني جيرانه أنه هجره من عهد بعيد وأنهم لا يعرفون أين مذهبه، فوقفت بين اليأس والرجاء برهة من الزمان، ثم شعرت كأن أولهما يغالب ثانيهما حتى غلبه، فعلمت أن قد فقدت الرجل وأني لن أجد بعد اليوم إليه سبيلا