بلسانه حتى يقيم على قضيته بينة كاذبة من أحواله وأطواره.
ليس الكذب شيئا يستهان به فهو أس الشرور ورذيلة الرذائل فكأنه أصل والرذائل فروع له، بل هو الرذائل نفسها وإنما يأتي في أشكال مختلفة ويتمثل في صور متنوعة.
المنافق كاذب؛ لأن لسانه ينطق بغير ما في قلبه، والمتكبر كاذب؛ لأنه يدعي لنفسه منزله غير منزلته، والفاسق كاذب؛ لأنه كذب في دعوى الإيمان ونقض ما عاهد الله عليه، والنمام كاذب؛ لأنه لم يتق الله في فتنته، فيتحرى الصدق في نميمته، والمتملق كاذب؛ لأن ظاهره ينفعك وباطنه يلذعك.
لقد هان على الناس أمر الكذب حتى إنك لتجد الرجل الصادق فتعرض على الناس أمره وتظرفهم بحديثه كأنك تعرض عجائب المخلوقات، وتتحدث بخوارق العادات.
فويل للرجل الصادق من حياة نكدة لا يجد فيها حقيقة مستقيمة، وويل له من صديق يخون العهد، ورفيق يكذب الود، ومستشار غير أمين، وجاهل يفشي السر، وعالم يحرف الكلم عن مواضعه، وشيخ يدعي الولاية كذبا، وتاجر يغش في سلعته، ويحنث في أيمانه، وصحفي يتجر بعقول الأحرار كما يتجر النخاس بالعبيد والإماء، ويكذب على نفسه وعلى الله وعلى الناس في كل صباح ومساء،