لولا الحياة الشعرية التي يحياها الناس أحيانا لسمج في نظرهم وجه الحياة الحسية, ومر مذاقها في أفواههم حتى ما يغتبط حي بنعمة العيش, ولا يكره ميت طلعة الموت.
لذلك نرى كل حي يهرب من الحياة الحسية جد الهرب لاجئا إلى الحياة الشعرية من أي باب من أبوابها؛ لأنه يرى في هذه ما لا يراه في تلك, مما يريح فؤاده ويثلج صدره وينفي عن نفسه السآمة والضجر من صنوف المناظر, وأفانين المشاهد, وغرائب المؤتلفات, وعجائب المختلفات.
لولا حب الناس الحياة الشعرية لما وجد فيهم كثير من المولعين بتخدير أعصابهم كشاربي الخمر ومدخني الحشيشة والأفيون، وهي وإن كانت في نظرهم حياة سعادة يتخللها شقاء، إلا أنها عندهم خير من حياة شقاء لا تتخللها سعادة، ولولا حب الحياة الشعرية لما وجد في الناس هذا الجم الغفير من الشعراء المتخيلين، والمتصوفة المتهوسين.