مرض فلان مرض الموت فلم يحفل بالمنية؛ لأنه اقتطف زهرة الحياة جميعها, ولأن الثمانين قد ألحت عليه بصبحها ومسائها وليلها ونهارها, فلم تترك له خيطا من خيوط الأمل ولا شعاعا من أشعة الرجاء لولا أن بين يديه ولدا صغيرا في السابعة من عمره قد ماتت أمه من عهد قريب، وللشيوخ الكبار إلى أبنائهم الصغار حنين الإبل إلى أعطانها، فنظر إليه وهو يحوم حول فراشه نظرة طويلة لم يسترجعها إلا مبللة بالدمع المنسجم, ثم زفر زفرة شديدة خيل لرائيها أنها الزفرة الأخيرة, وأنشأ يقول:
أي بني، من لي بقلب يرعاك مثل قلبي، وعين تسهر عليك مثل عيني، وروح ترفرف فوق رأسك مثل روحي، ونفس تضم جوانحها عليك مثل نفسي؟
أي بني، كأني بركب الموت وقد نزل بي وحلّ بساحتي، وكأني به وقد احتملني من فضاء القصر إلى مضيق القبر، ومن