للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[اللقيطة]

مر عظيم من عظماء هذه المدينة بزُقاق من أزقة الأحياء الوطنية في ليلة من ليالي الشتاء ضرير نجمها، حالك ظلامها، فرأى تحت جدار متهدم فتاة صغيرة في الرابعة عشرة من عمرها جالسة القرفصاء١ وقد وضعت رأسها بين ركبتيها اتقاء للبرد الذي كان يعبث بها عبث النكباء بالعود، وليس في يدها ما تتقيه به إلا أسمال تتراءى مزقها٢ فوق جسمها العاري, كأنها آثار السياط فوق أجسام المستعبدين في عهود الاستبداد.

وقف الرجل أمام هذا المشهد المحزن المؤثر وقفة الكريم الذي تؤلمه مناظر البؤس وتزعج نفسه مواقف الشقاء، ثم تقدم نحوها وهز يدها برفق فرفعت رأسها مرتاعة مذعورة, وهمت بالفرار من بين يديه وهي تصيح: "لا أعود, لا أعود" فلم يزل يمسحها٣ ويروضها حتى هدأ روعها وعاد إليها رشدها, وعلمت


١ القرفصاء: أن يحتبي الرجل بيديه, فيضعهما على ساقيه وهو جالس.
٢ المزق: القطع.
٣ مسحه: أمرَّ يده عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>