مات بالأمس إمام الشعر البارودي, وإمام النثر محمد عبده فجزعنا ما جزعنا، وسكبنا عليهما من الدموع ما سكبنا، ثم كفكفنا من تلك الدموع، وخفّضنا من زفرات الضلوع، حينما سمعنا قول القائل: إن في الباقي عزاء عن الفاني، وإن في الأبناء خلفا من الآباء، ولقد كر على عهدهما الشهر بعد الشهر، والدهر أثر الدهر، والأدب جاثٍ في مكمنه جاثم، لم يبعث من مرقده بعدما قبرناه، ولم ينشر من قبره بعدما واريناه، فتساءلنا: أين الباقي الذين يزعمون، والخلف الذين يذكرون؟
أين فطاحل اللغة الأدبية لا السياسية، وأرباب الأقلام العربية لا الأعجمية؟!
عذرنا المويلحي الكبير واليازجي؛ لأنهما ماتا ولحقا بصاحبيهما, فهل مات شوقي وحافظ والبكري والمويلحي الصغير؟!
ما مات منهم أحد، وإنما كانت حياة الرجلين حياة الصناعتين, وكان لوجودهما سر من الأسرار ينبعث في الألسنة فيطلقها،