ما أنسى لا أنسى رجلا كان خير من لقيت من الرجال, وكان يعجبني منه أدبه وفضله وعفته وحياؤه وشرف نفسه وطهارة قلبه, وأنه كان صبورا محتملا تقرع الخطوب صفاة قلبه فترتد عنها نابية كما ترتد الكرة عن الحائط إذا قرعتها.
كان فقيرا لا يملك من هذه الدنيا أكثر مما يقيم صلبه ويمسك حوباءه ويستر سوءته, فزوجه أبوه بابنة عم له ذات مال لم يك مثلها في دمامتها وسوء خلقها وجفاء طبعها ممن يطمع في مثله في جمال خُلقه ولين حاشيته وانسجام طبعه، فكبرت نفسه عن مخالفة أبيه؛ لأنه كان برا به مطيعا له نازلا عند أمره ونهيه وعن مجافاة زوجه واطراحها والانقباض عنها؛ لأنه كان كريم الأخلاق واسع الصدر رفيقا بالضعفاء والمنكوبين، فتزوجها وفي نفسه من المضض والارتماض ما يلهب الجوانح, ويذيب لفائف القلوب.
وأذكر أني على طول معاشرتي له ولصوقي بنفسه ما سمعته, ولا