للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجاهليتان]

ليست الجاهلية الأولى بأحوج إلى الإصلاح الديني من الجاهلية الأخرى، بل ربما كانت هذه أحوج من تلك إليه.

كانت الجاهلية الأولى تعبد الأوثان لتقربها إلى الله زلفى، وجاهليتنا تعبد الأحجار والأشجار، والأحياء والأموات، والأبواب والكوى، والقواعد والأعمدة، تبركا أو تقربا، لفظان مترادفان، مختلفان لفظا، متفقان معنى، ومن ظن غير ذلك فقد خدع نفسه.

كانت الجاهلية الأولى متفرقة قبائل وشعوبا، وجاهليتنا متفرقة منازل وبيوتا، بل آحادا وأفرادا، فلا تراحم ولا تواصل، ولا تعارف ولا تعاطف، حتى بين الأخ وأخيه، والأب وبنيه.

كانت جاهليتهم تسفك الدماء في طلاب الأوتار، وجاهليتنا تسفكها في سبيل السرقات وقضاء الشهوات، وكان أفظع ما في جرائمهم وأد البنات، فصار أخف ما في جرائمنا الانتحار، وكان بعضهم يبغي على بعض بسرقة ماله، أو استياق ماشيته، ففعلنا مثل ما فعلوا وفوق ما فعلوا، ثم فضلناهم بعد ذلك بتزوير الأوراق

<<  <  ج: ص:  >  >>