كنت آليت على نفسي مذ أعلنت هذه الحرب قبحها الله وقبح كل ما تأتي به ألا أكتب كلمة في صحيفة سيارة في أي شأن من الشئون العامة خيرها وشرها حتى ينقضى أجلها وأن أترك هذا القلم في مرقده هادئًا مطمئنًا مدرجًا في ذلك الكفن الأبيض الرقيق المنسوج من خيط العنكبوت حتى يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع فيه أن ينبعث كما يريد لا كما يُراد منه، ولكن نازلًا عظيمًا نزل بهذا المجتمع المصري منذ عامين أو ثلاثة لم أحفل به في مبدئه ولم ألق له بالًا وعددته في النوازل الصغيرة المترددة التي لا تلبث غيومها أن تنعقد في سماء البلد حتى تهب عليها نسمة من نسمات الروح الإلهي فتنقشع، ولكن ها قد مضى العام والعامان والثلاثة وهو باقٍ في مكانه لا يتحول ولا يتحلحل بل تزداد قدمه على الأيام ثباتًا ورسوخًا، وأحسبه سيبقى في مستقبل أيامه أضعاف ما بقى في ماضيها إن لم نُثرْ عليه معشر الكتاب حربًا شعواء تهز جدرانه هزًّا وتدكها دكًّا وتلحق أعاليها بأسافلها.