للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغناء العربي]

الغناء بقية خواطر النفس التي عجز عن إبرازها اللسان، فأبرزتها الألحان، فهو أفصح الناطقين لسانا، وأوسعهم بيانا، وأسرعهم نفاذا إلى القلوب وامتزاجا بالنفوس واستيلاء على العقول وأخذا بمجامع الأفئدة، وبيان ذلك أن النطق ثلاث طبقات تختلف درجاتها باختلاف درجات الإبلاغ والتأثير فيها، فأدناها النثر، وأوسطها الشعر، وأعلاها الغناء، فلو أن عاشقا برح به الهجر مثلا فأراد أن يبلغك ما في نفسه من ذلك فإن قال لك: إني مهجور فحسب, فقد أبلغك بعض ما في نفسه وترك في قلبك من الأثر بمقدار ما تحتمله طبقة النثر من التأثير، وإن أنشدك قول الشاعر:

فوا كبدا من حب من لا يحبني ... ومن زفرات ما لهن فناء

أو قول الآخر:

كأن قطاة علقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان

فقد سلك بك طريق الخيال وصور لك خواطر نفسه بصورة أوضح من الصورة الأولى, وترك في نفسك أثرا أعظم من الأثر الأول،

<<  <  ج: ص:  >  >>