للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن رفع عقيرته, وكان يجيد التوقيع يتغنى بقول القائل:

وارحمتا للغريب بالبلد النا ... زح ماذا بنفسه صنعا

فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا

فقد صور لك قلبه كما هو وألمسك مواقع الآلام والأوجاع فيه, فبلغ بك التأثير منتهاه, وربما بكيت عند سماعه حزنا ورحمة، وما بكيت إذ بكيت إلا لأن الغناء لم يُبق بقية من خواطر هذه النفس القريحة إلا نطق بها لك وأسمعك إياها، وكما أن الأبيات قيود المعاني كذلك الألحان قيود الأبيات، فلا يزال المعنى مشردا ههنا وههنا حتى يحتويه بيت من الشعر فيستقر في مكانه، ثم لا يزال البيت يتجانف عن الآذان ذات اليمين وذات الشمال حتى يقوده الصوت الحسن, فإذا هو مستودع في الصدور.

والغناء فن من الفنون الطبيعية تهتدي إليه الأمم بالفطرة المترنمة في هدير الحمام وخرير المياه وحفيف الأشجار، فمن أبكاه الحمام غرد تغريده كلما أراد البكاء، ومن أطربه صوت الناعورة رنّ رنينها ليطرب جمله أو ناقته فينشطان للمسير، وما زال هذا الفن متبديا ببداوة الأمة العربية لا يكاد يتخطى فيها حداء الجمال، ومناغاة الأطفال، حتى إذا انتقلت من مضيق الحاجيات إلى منفسح الكماليات توسعت فيه, وزادت في أنغامه

<<  <  ج: ص:  >  >>