للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدوار الشعر العربي]

كانت العرب في جاهليتها أمة هائمة متبدية على الفطرة البيضاء النقية لا تعبث الحضارة بجمالها، ولا تغبّر المدنية في وجهها، تطلع الشمس في آفاقها فتتبسط على سهولها وحزونها ونجادها ووهادها من حيث لا تعترض في سبيلها من المظلات سحب، ولا من السقوف حجب، وينبت نباتها حيث يجري ماؤها لا تعبث فيه الأيدي بتربيع ولا تدوير ولا تقويس ولا تعريج, ويجري ماؤها في سبيله متدفقا حيث ينساب به تسلسله واطراده لا تلوي به عن قصده الحفائر، ولا تتنصب في وجهه القناطر، ويهيم وحشها في جبالها وطيرها في أجوائها من حيث لا يحبس الأول عرين موصود، ولا الآخر قفص محدود، والشعر من وراء ذلك كله مرآة صافية تتمثل فيها تلك المناظر الفطرية على طبيعتها وجوهرها.

ينطق العربي بما يعلم ويقول ما يفهم, ويصور ما يرى ويحدث عما تمثل في نفسه حديثا صادقا لا تكلف فيه ولا تعمل؛ لأن كل

<<  <  ج: ص:  >  >>