لا بأس بالوطنية ولا بأس بالحمية الدينية ولا بأس بالعصبية لهما والذياد عنهما, ولكن يجب أن يكون ذلك في سبيل الإنسانية وتحت ظلالها, أي: أن تكون جميع دوائر المجتمعات باقية في أماكنها, دائرة حول نفسها بحيث لا تخرج واحدة منها عن دائرة الإنسانية العامة التي تضمها جميعا وتشتمل عليها، والوطنية لا تزال عملا من الأعمال الشريفة المقدسة حتى تخرج عن حدود الإنسانية فإذا هي خيالات باطلة وأوهام كاذبة، والدين لا يزال غريزة من الغرائز المؤثرة في صلاح النفوس وهداها حتى يتمرد على الإنسانية, ويعتزلها فإذا هو شعبة من شعب الجنون.
فإن كان لا بد للإنسان من أن يحارب أخاه أو يقاتله فليحاربه مدافعا لا طاعنا, وليقاتله مؤدبا لا منتقما, وليقف أمامه في كل ذلك موقف المحق المنصف والشفيق الرحيم, فيدفنه قتيلا ويعالجه جريحا ويكرمه أسيرا ويخلفه على أهله وولده بأفضل ما يخلف الرجل الكريم أخاه الشقيق أو صديقه الحميم على ذريته من بعده، وليكن شأنه معه شأن تلك الفئة المتحاربة التي وصفها الشاعر في قوله:
إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت دموعها