للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أكون عدوك، وهنالك تنحل كل عقدة وتنفصم كل عروة, ويحمل كل إنسان لأخيه بين أضلاعه من لواعج البغض والشحناء ما يرنق عيشه ويطيل سهده ويقلق مضجعه ويحبب إليه صورة الموت ويبغض إليه وجه الحياة, وهنالك يصبح الإنسان أشبه شيء بذلك الإنسان الأول في وحشته وانفراده يقلب وجهه في صفحات السماء, ويفتش بيديه في طبقات الأرض, فلا يجد له في الوحشة مؤنسا, ولا على الهموم مُعِينا.

الجامعة الإنسانية أقرب الجوامع إلى قلب الإنسان وأعلقها بفؤاده وألصقها بنفسه؛ لأنه يبكي لمصاب من لا يعرف وإن كان ذلك المصاب تاريخا من التواريخ, أو خيالا من الخيالات, ولأنه لا يرى غريقا يتخبط في الماء, أو حريقا يتقلب في النار حتى تحدثه نفسه بالمخاطرة في سبيله فيقف موقف الحزين المتلهف إن كان ضعيفا ويندفع اندفاع الشجاع المستقتل إن كان قويا, ويسمع وهو بالمشرق حديث النكبات بالمغرب فيخفق قلبه وتطير نفسه؛ لأنه يعلم أن أولئك المنكوبين إخوانه في الإنسانية وإن لم يكن بينه وبينهم صلة في أمر سواها، ولولا أن ستارا من الجهل والعصبية يسبله كل يوم غلاة الوطنية والدين, أو تجارهما على قلوب الضعفاء والبسطاء, لما عاش منكوب في هذه الحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>