أن يقول لغيره ممن يسكن وطنا غير وطنه, أو يدين بدين غير دينه: أنا غيرك, فيجب أن أكون عدوك لأن الإنسانية وحدة لا تكثر فيها ولا غيرية, ولأن هذه الفروق التي بين الناس في آرائهم ومذاهبهم ومواطن إقامتهم وألوان أجسادهم وأطوالهم وأعراضهم إنما هي اعتبارات واصطلاحات, أو مصادفات واتفاقات تعرض لجوهر الإنسانية بعد تكونه واستتمام خلقه وتختلف عليه اختلاف الأعراض على الأجسام, ففي كل بلد وفي كل يوم يستعجم العربي ويستعرب الأعجمي ويسلم المسيحي ويتهود الوثني ويلحد المؤمن ويؤمن الجاحد ويستشرق المغربي ويستغرب المشرقي، ولو أشاء أن أقول لقلت: إنه لا يوجد فوق رقعة الأرض من لا يزال يمسك حتى اليوم بطرف سلسلة ينتهي طرفها الآخر بوطن غير وطنه, ودين غير دينه, وأمة غير أمته.
إذا جاز لكل إقليم أن يتنكر لغيره جاز لكل بلد أن يتنكر لكل بلد, بل جاز لكل بيت أن ينظر تلك النظرة الشزراء إلى البيت الذي يجاوره, بل جاز للأب أن يقول لولده وللولد أن يقول لأبيه: إليك عني, لا تمد عينيك إلى شيء مما في يدي, ولا تطمع أن أوثرك على نفسي بشيء مما اختصصتها به؛ لأنني غيرك فيجب