للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب مقاطعة]

أتاني كتابك وقد أبللت من مرض حبك وصحوت من رقدة طال علي الغيب فيها, حتى خفت أن تتصل برقدة الموت، فلم ترُعني روائعك١، ولا أجدى عندي اعتذارك، ولا أخذ حديثك من قلبي مأخذه من قبل، ولم أر بين سطورك ذلك النور الذي كان يملأ عيني روعة٢، وقلبي هيبة، فالحمد لله الذي أدالني منك، وأعتقني من رقك، وكشف لي من مكنونك ما كشف غشاء الهوى عن بصري، فجفت الدموع التي طالما أذلتها٣ بين يديك، وقرت العين التي كنت أساهر بها الكوكب شوقا إليك، ولم يبق في خاطري من ذكرك إلا كما بقي في قلوب الناس من الوفاء، والحب شجرة يغرسها الأمل في القلب، ثم يغذوها بمائه وهوائه، فلا تزال تشتجر أغصانها، وترف٤ ظلالها، وترن أطيارها، حتى يعصف بها عاصف من اليأس فتموت، ولقد عالجت هذا القلب الشموس٥في الرجوع إلى سالف عهدك، وسابق ودك، فجمح جموح المهر الأرِن٦، وركب رأسه إلى حيث لا مطمع في أوبته، وله العتبى فيما فعل، فقد ملكني قياده برهة من الزمان فأسأت عشرته، وخفرت ذمته، وأرغمت معطسه، وركبت به في سبيلك أخشن مركب، وأنهلته من جفائك وكبريائك شر منهل، فما هو إلا أن أمكنته الغرة فانطلق انطلاق السجين من سجنه، والطائر من قفصه، فلا أوبة حتى يئوب القارظان، ويبلى الجديدان:

إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل


١ أي: لم تعجبني محاسنك.
٢ الروعة: المسحة من الجمال.
٣ أذلتها: أهنتها.
٤ رف النبات: اهتز واضطرب.
٥ شمس: امتنع وأبى.
٦ المهر الأرن: النشيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>